للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولجأ منالايوس إلى الحيلة، وفكر من فوره في إثارة النخوة في قلب أخيل، عسى أن يقدم فيقود أجناده، ويتم النصر للهيلانيين، فأرسل إليه أنتيلوخوس يحمل النبأ العظيم، ويزلزل من تحته الأرض حين يقص عليه ما لغط به هكتور.

ولو قد علم أنتيلوخوس ما يثيره هذا النعي في قلب أخيل، ما آثر أن ينفذ إليه به! فلقد صرخ ابن ذيتيس صرخة اضطرب لها البحر، وماد الشاطئ، وتجاوبت لها جنبات الجبال، ثم بكى، فاربد أديم السماء واعتكر، واحتلك الضحى وبسر، وشاعت في العالم ظلمه أهول من ظلمة القبور!

(بتروكلوس!. . . . . . . . . . . .)

أفي الحق يا أعز الأصدقاء أنك أوديت! وا حرباً! أإذا لقيتك الآن فأنت ما تحرك شفتيك لتكلمني، وما تفتح عينيك لترى إلى أخيل؟! ألا ينبض قلبك بعد اليوم يا بتروكلوس، حتى ولا بحبي؟!. . . . . .

أإلى حتفك كنت تستأذنني إذن؟. . . . . . . .

ويلي عليك يا بتروكلوس! ويلي عليك يا أعز الأحباب. . .

ولم يُطق، فطفق يحثو التراب على رأسه، ويشد شعره، فيكاد ينزعه، ويرسل في السماء وفي الأرض والبحر صرخاته الداويات.

وانتفض الموج، وفار الماء؛ وكأنما اتصل قلب أخيل باليم فاضطرب بما فيه من وجد، واصطخب بما يؤوده من كمد، وشاعت فيه أشجانه وأحزانه، حتى وصلت إلى الأعماق. . . . حيث تأوي ذيتيس إلى زوجها، رب البحار السفلية، فشعرت الأم المحزونة بما ينتاب ولدها في أسطوله الراسي على هامش طروادة، وأحست بما يأخذه من ألم، ويمزق حشاه من عناء؛ فصرخت ثمة صرخةً اجتمع لها كل عرائس البحر، وعذارى الماء، من حوريات نريوس، وأخذن يلطمن خدودهن الوردية تحت الثبج، ويذرين من نرجس عيونهن فيضاً من الدمع الدري، ثم انتظمن صفوفاً صفوفاً، ورحن يتاهدين وراء ذيتيس، مرسلاتٍ في الأعماق أناشيد الحَزَن، طاوياتٍ ذلك الرحب الذي يفصل بين مملكة مولاهن، وبين شطئان اليوم؛ حتى إذا كُنّ عند الأسطول الهيلاني طفون فوق الماء، فانقلبت اللجة بجمعهن جنة، وارتد البحر بربربهن فردوس نعيم!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>