وبرزت ذيتيس فَرَقَت سفينة ابنها أخيل الباكي الآنَّ الحزين؛ وتقدمت فضمته إلى صدرها الحنون، وجعلت تُهوِّن عليه أمر صاحبه، وتصرفه عن هذه الحرب التي يفرق من هولها قلبها الخفَّاق أشد الفَرَق، لما تعلمه منذ قديم من القتلة التي تخترم ولدها تحت أسوار طروادة، كما أنبأتها بها ساحرات الماء. .
وأن أخيل أنة شديدة، وقال لأمه:(أماه! هكذا قدر لنا أن نلقي ما حتمه القضاء علينا، وهكذا شاء سيد الأولمب الكبير المتعال، ولكن خبريني بربك ما قيمة هذه الحياة ما لم يعد بتروكلوس ينضرها ويزين حواشيها، وما دام أعز أحبابي وأودائي ملقى هذه الساحة النكراء، ذبيحاً بين أشقى الخصوم الألداء!!
أه يا بتروكلوس! لقد شفي هكتور غلة قلبه حين سفك دمك غادراً، وحين انتزع عدتك غادراً، وحين يفاخر بكل أولئك غادراً!
وهذه العدة يا أماه! أيلبسها هذا الشقي وهي هدية الآلهة إلى بليوس، أبي، رب الأعماق، وهدية من أبي إلي؟!
أبداً لن أعود معك إلى حيث العار الأبدي ينتظرني، ما لم أثأر لأوفى أحبائي بتروكلوس، من هذا النذل، هكتور، وما لم أرو هذه الصعدة الظامئة من دمه النجس، وأقذف في وجهه بمفاخراته الكاذبة وإهاناته للقتيل الكريم. . .
لا. لا، لا تتحدثي إلي عن أوية تصمنا بالذل إلى الأبد يا أماه، وإني لأقسم بالسماء ومن فوقها، لن أبرح الأرض حتى ينفذ هذا السنان في صدر هكتور!)
وصمتت ذيتيس قليلاً، ثم لم تطق أن تخفي ما تخشاه على ولدها من ذلك القضاء المحتوم، فأخبرته بما تحدثت به العرافات عام ولُد؛ وما تخافه من أمر هذه النهاية المحزنة، والفجيعة التي لا تكون مثلها فجيعة.
ولكن أخيل تبسم ابتسامة محزونة، وتحدث إلى أمه عن المجد الخالد الذي سيحمله اسمه آخر الدهر:(واستبشار الهيلانيين بعودتي لمناصرتهم ووضوح الحق وجلائه لأجاممنون إنني روح الجيش وحماسة الجند، والقوة المذخورة لدحر الطرواديين! صه يا أماه! فلن تزعجني مخاوفك، ولن تلقي في روعي أقل الجزع. . . لأنه إن كان حقاً ما تحدثن إليك به، فأين يهرب أحدنا من القضاء!؟!)