وبهتت الأم مما صمم عليه ولدها؛ ولما أيقنت أن لا سبيل لها إلى قلبه الجريء، بدا لها أن تعاهده على ألا يخوض الكريهة حتى تعود إليه من عند فلكان، الإله الحداد؛ الذي ستذهب هي إليه تكلفه بعمل درع وخوذة تحملهما إليه، ليحمياه في كل يوم روع!! وعاهدها أخيل.
وأمرت ذيتيس عذارى الماء فانثنين إلى مملكة بليوس، يحملن إليه أنباء ولده. أما هي، فانطلقت إلى فلكان. . . هناك. . . هناك فوق ذروة جبل إطنة، حيث وجدته ينفخ في لظى كيره الضخم. . . يصنع الدروع والعُدد. . .
ولقيها الإله الحداد بالترحاب، وشرع من فوره يصنع عدة لم تر العين مثلها، ولم يأبه أن يصنع مثلها حتى للآلهة!!. . . (وكيف لا، وأخيل الحبيب سيدّرع بها وتحميه من أوشاب الطرواديين، وأوغاد هذا الأخ اللئيم مارس، الذي تعلمين مما كان من أمره مع فينوس ما تعلمين. . لقد فضحني السافل فضحته المقادير. . . . . .)
ولكن الساحة كانت تضطرب، وجموع الطرواديين تأخذ الهيلانيين من كل فج؛ وكانت حيرا، ملكية الأولمب، تطلع من عليائها فتأخذها الرهبة لما يحيق بعبادها من تصريع وتقتيل؛ وكانت مينرفا كذلك تهلع عليهم هلعاً شديداً. . .
وتشاور الرّبتان، واتفقتا على أن تُنفذا إيرليس إلى أخيل، تأمر أنه يخوض الكريهة في جانب الهيلانيين. ولكنه قص على الرسول ما عاهد أمه عليه فعاد الرسول إلى الأولمب يحمل نبأ هذه المعاهدة. . .
بيد أن حيرا أشارت على مينرفا أن تنفذ الرسول إلى أخيل يحمل إليه درعها، وكان لمينرفا درع اسمه ايجيس لم يَصْنع مثله لأحد من قبلُ فلكان؛ وأن يَنهي إليه أنهما تأمرانه بالتوجه إلى الساحة فيطلع عليها ليراه الطرواديون، فإنه بحسبهم أن يروه فيولوا الأدبار!!
وانطلق إيرليس برسالته إلى أخيل؛ فاهتز البطل من نشوة الطرب، وشاعت الكبرياء في أعطافه لأنه سينال شرفاً لم ينله أحد من قبل، وذلك بأنه سيدّرع بقميص مينرفا، المسرودة من حديد!!
وعندما نهض ليلبس الدرع رأى مينرفا نفسها تساعده بيديها الطاهرتين النقيتين كالبلور وتضع فوق جبينه إكليلاً وضاءً من الذهب، ثم تقوده إلى الساحة!!
وهناك، وقف أخيل العظيم فوق ربوة عالية تشرف على الساحة كلها، ثم أرسل في الآفاق