صيحةً داوية، كانت تنفخ فيها مينرفا فتزيدها قوة وعنفواناً، فزلزل قلوب الطرواديين وجعلها تدق في صدور ذويها كالنواقيس!!
وما كاد الأعداء يستيقنون أن الصيحة صيحة أخيل، وما كادوا ينظرون إلى هذه الآراد المُنتشَّرة فوق رأسه، والأضواء المتلألئة من إكليله، حتى سقُط في أيديهم وارتعدت فرائصهم وولوا على أعقابهم مدبرين! وكانت خيولهم المذعورة تولي هي الأخرى فتطأ الفرسان هنا وهناك، وتسقط في الخنادق المحيطة بطروادة، فتلقي فيها حتفها بمن عليها!!
وتوارت الشمس بالحجاب.
فتحاجز الجمعان وذهب كل ليستريح من هذا اليوم العصيب وكانت صيحة أخيل أكبر عون لمنالايوس وزميله في الإسراع بجثة بتروكلوس إلى مؤخرة الجيش، حيث الأمان والاطمئنان؛ فلما عاد أخيل كانت جثة صديقه أول ما وقع بصره عليه. . . فبكى. . . وبكى. . . واجتمع حوله الميرميدون يبكون.
ثم رثاه بكلمة دامعة، ترجمت عن نفس مكلومة؛ وأمر فأوقدت نار كبيرة وضع عليها دست ماء كبير؛ وأخذوا جميعاً في غسل الجثة المعفرة بالتراب، ودهنها بالطيوب ثم تحنيطها بالأفاوية والبهار والقرنفل، ولفوها في مدارج طويلة من الحبر الغاليات البيض.
واجتمع قادة الطرواديين يتشاورون في هدأة الليل، فخطب بعضهم ناصحاً بوجوب التحرز داخل الأسوار في غد، مخافة أن يبطش بهم أخيل وشياطينه، لا سيما وهم سيخوضون الوغى بقلوب جرحها مصرع بتروكلوس، وهم لا بد مثئرون له، مهما كلفهم الأثئار من أرواح ودماء!
ولكن هكتور أبى إلا أن يخرج للقوم، وكأن قتله بتروكلوس غيلة قد خدعه عن شجاعة أخيل، وما قدر له مما سيلقاه من بطشة أخيل. . . وهل غد بعيد!!؟؟
وفي اللحظة أيضاً، كان زيوس يتحدث إلى حيرا حديث الذي أُظفر بأعدائه وكأنما أطرب الإله الأكبر أن أخيل يعود إلى المعركة بعد أن أديل له من الهيلانيين ومن الطرواديين على السواء.
وكانت حيرا تسمع إليه وهي تطفر فرحاً! كيف لا؟ وهذا أخيل يعود إلى أعدائها في الغد، فيصليهم عذاباً، ويجرعهم غصصاً ما ذاقوا مذ ترك الحلبة أمثالها!؟ ولتحزن فينوس!