ولقد حاول اليونانيون أيضا تحويل أمثال هذه الصور الخرافية إلى حقائق جغرافية.
ولكن هيرودوت أنكر وجود بحر يحيط بالأرض من الشرق، وقد عرف في مصر خبر بعثة وجهها نيخو الثاني سنة ٦٠٠ قبل الميلاد. في البحر الإريتري - بحر البلاد الحمراء أي بلاد العرب، فدارت حول أفريقيا حتى عادت إلى مصر بعد ان اخترقت أعمدة هرقليس (جبل طارق). ولم يصدق هيرودوت ما ذكر عن ملاحي تلك الرحلة من أنهم شاهدوا الشمس تشرق وتغرب عن يمينهم في إحدى مناطق طوافهم.
ورأى ارسططاليس الرأي القائل بأن الإريتري والاطلانطيقي بحر واحد، وتضاءلت الدنيا أمام علمه حتى قال باستطاعة سفينة شراعية ان تسافر في رياح ملائمة من أعمدة هرقليس (جبل طارق) حتى الهند.
وجاء العالم الإسكندري بطليموس في القرن الثاني قبل الميلاد وقال بان أفريقيا تتصل شرقاً اتصالا تاما بآسيا، وأن المحيط الهندي بحر داخلي. وكان يعتقد هو أيضا أن غرب أوربا قريب من شرق آسيا. ويرجع إلى هذا الرأي الذي ارتآه عالم كبير كبطليموس بعض الفضل في اعتزام كولمبوس الوصول إلى الهند من غرب أوربا واكتشافه أميركا.
وهكذا ظلّ العالم يتخبط في تفهم مدى المحيطات حتى بدأ البرتغاليون والإسبانيون رحلاتهم المجيدة في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر. واستطاع فاسكو دي جاما تطويق رأس الرجاء الصالح. واكتشف كولمبوس جزر الأنتيل وقد حسب انه وصل إلى آسيا، ولم يدر انه كان في أسبانيا اقرب إلى آسيا منه وهو في دنياه الجديدة.
وسافر ماجلان من إسبانيا مخترقا الاطلانطيق فالمضيق الذي حمل أسمه فيما بعد فالمحيط الهادي. ومع انه قتل في الفلبين فقد عادت بعثته إلى إسبانيا بعد إتمام طوافها حول العالم في ثلاث سنوات.
وهكذا استطاع العالم في أقل من نصف قرن (١٤٩٢ - ١٥٢٢) أن يعرف أضعاف ما عرفه الأقدمون عن البحار، وإذا استثنينا رحلات العرب في المحيط الهندي بعد ذلك التاريخ فان الاستكشافات فقدت نشاطها منذ أوائل القرن السادس عشر حتى قام الكابتن كوك برحلته في البحار الجنوبية في أواخر القرن الثامن عشر. حينئذ استطاع الملاّحون أن