للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للحب البكر البريء.

لقد كنت والسيدة أحرص ما نكون على إخفاء أمارات الحب في عيوننا؛ لم يكن في مظاهرنا ما يلهم غريزة المرأة استشعار الواقع بدليل أن امرأتي لم تدرك شيئاً منه؛ أما زوجها فقد كان له من أقداح الوسكي وأحاديث البورصة والمضاربات ما يشغله عنا، فلم يع شيئا من ذلك أيضاً؛ وهكذا كانت تنقضي ليالي الاجتماع بمظهرين: مظهر النفس المتأججة بلاعج من حب باطني، ومظهر السكوت الدال على الاندماج الكلي في وحدانية الحب المقدس، وعلى التجاوب الروحي والتفاهم الجسدي حين المخاصرة.

لم يعد طبيعياً أن تطاوعنا عناصر الوجود على استدامة هذه الحال، فلما همست أخفتَ همسة في أذن (حبيبتي) أطلب منها لقاء على انفراد، أومأت بهدب جفنها إيماءة الرضى وأتبعتها بلمحة من بسمة ارتسمت على جانب شفتها، ونظرت إلي نظرة طويلة. . . ثم فتحت فاها كأنها تريد أن تقول شيئاً، ولكنها أحجمت وأطبقت شفتيها. . . ثم عادت فاشترطت أن يكون اللقاء في الريف على ضفاف النيل، وألا يرى أحدنا الآخر إلا في الموعد المضروب؛ رضيت بهذا الشرط الصارم وحرماني منها طيلة عشرة أيام.

عبثاً كنت أحاول إخماد حدة الأزمة النفسية التي ساورتني ففزعت إلى (الأقصر) أستمد السكون والهدوء من مشاهدة آثار العصور الخوالي في وادي الملوك، ولكن متى كانت صور الفن تصرف الذهن عن الصور الحية، وكيف يهدأ قلب استفاق من هجعة الحب الأول على صراخ تأنيب الضمير؟

عجباً! لم جعلت اللقاء بعد عشرة أيام ودعمته ألا يرى أحدنا الآخر خلالها؟ هل رمت من وراء هذا التباعد إلى إثارة قوى الدفع والجذب التي تكون وليدة الآمال المرتجاة؟ هل شاءت بباعث من غرائزها التي يعمل عقل الرجل مجتهداً في حل رموزها أن تمتحن الفوارق بين اللقاء المكظوم في صالة الرقص وبين اللقاء الموعود في الريف؟ هل أرادت أن نستجم للقاء كما يستجم الشاعر لإبداع قصيدة، والعابد لتمتمة صلاة غير مسطورة في كتاب، والصوفي للاندماج في وحدانية الله؟ وإنما رغبت في أن يكون لقانا اللقاء الأخير وموقف الوداع قبل السفر!!

. . . . . . دنا الموعد، اقتربت ساعة اللقاء، وقفت أنتظر قدوم سيارتها وأرقب دقائق

<<  <  ج:
ص:  >  >>