إنها تريد أن تكون بكليتها لي، أولا تكون لي أبداً، وما دامت سترحل في الغد، عائدة إلى لبنان، فهي تؤثر أن تحرمني كل شئ على أن تسقيني من كأس بدنها الشهي جرعة واحدة لا تنقع غلتي ولا بد أن تسمم في المستقبل كل حياتي.
أواه! لقد أدركت ما يجول بخاطري، هاهي تتفرس في وتتأملني وتشفق علي منذ الآن، ويكاد الدمع يطفر من عينيها.
لماذا؟ لماذا تبكين يا حبيبتي؟! أخذت رأسها بين ذراعي ألاطف شعرها بينما كانت تنتفض ودموعها الحارة تتساقط على يدي.
تجاه هذه الدموع لم أجد بداً من الإذعان لها، أشفقت عليها كما أشفقت علي، سموت بحبي كما أرادت أن تسمو بحبها، عولت على ألا أعترض القدر، وأن أنزل ما استطعت على حكم هذه المرأة التي علمتني أن في وسع الإنسان أن يعيش بالروح أكثر مما يعيش بالجسد، وأن الحب الكبير قد يستطيع أن ينتصر لا على المادة فقط، بل على الزمن أيضاً.
أرسلت نفساً طويلاً فرّج عن صدري، وضاعف أعصابي صلابة وقوة، فتنحيت قليلاً ومددت رأسي إلى حيث سائق السيارة وغمغمت بهذه الكلمات:(عد من حيث أتيت).
حدَّقت فيّ وأشرق وجهها بغتة، ثم أطرقت برأسها وتلمست يدي ورفعتها برفق إلى شفتيها، فشعرت بالقبلة الهادئة تجمع بيننا إلى الأبد.
عادت بنا السيارة تنهب الأرض، والأشجار تتعاقب، والهواء يصفر، والصبي يضحك، وأنا أردد في نفسي هذه الكلمات: غريب! غريب! غريب!