قلت: هذا شئ يطول بيننا ولا حاجة لك بهذه البراهين كلها فقد آمنت انك نابغة القرن العشرين في الأدب والشعر والخطابة والترسُّل.
قال: والفلسفة وكل معقول ومنقول. وقد انتهينا على ذلك
قال: ولكنك تحسبني مجنونا أو ممروراً (كما حسبتني الجرائد التي زعمت أن اختفائي في البيمارستان كان لجنوني الفكريّ أو لذكائي الطبيعي وهو الأصح. . . فبّين لهذه الجرائد أني خرجت أني سأطبع الأدب بطابع جديد).
قلت: ولكني لست مراسل جرائد. قال (فاجعلني رسالةً وراسلها عني أو اكتب لك أنا ما ترسله، وما جئتك إلا لهذا؛ ويجب أن تلحقني بجريدة كبيرة، وهذه الجرائد تعرفني كلها، وقد تناولتني من جميع النواحي الأدبية، فضلا عن أنى كاتب فذ، وخطيب فذ، وشاعر فذ. وهذا قليل من كثير، فهل أعوّل عليك في صلتي بالجرائد أولا؟)
قلت: انك تعرفهم ويعرفونك وقد بَلَوتهم وَبَلَوْا منك فلست في حاجة إلى عندهم.
قال:(انهم يخشون بآسي وقد حسبوني مجنونا استهوته الشياطين، وما علموا أن شيطان الشعر هو الذي استهواني كما أن شيطان الحب هو الذي استهواك. . . هذا من جهة، ومن جهة ليس معي ثمن الغداء ولا أكلفك شيئا. . .).
قلت: فهذا قرش للغداء في مطعم الشعب. وهم الآن يتعدون ويوشك إذا أبطأتَ أن توافقهم وقد استنفذوا الطعام، وأنت لا تجهل أن القرش في مطعم الشعب هو قرشان في القيمة.
قال: صدقت؛ يوشك أن أوافقهم وقد فرغوا من طعامهم وغسلوا الآنية. فلا بْقِِ هذا للعَشاء وسأطوي إلى الليل. . .
قلت: فمعك الآن ثمن الدخان، والقهوة، والغداء، وأجرة السيارة إلى بلدك. وقد كان نابغة القرن الثالث للهجرة واسمه (طاق البصل) يغني بقيراط ولا يسكت إلا بدانق. هذا من جهة، ومن جهة فخذ هذا القرش ثمناً لسكوتك وانصرف.
فشقَّ ذلك عليه وقام مُغْضَباً، وتنفسَّتُ بعده الصعداء الطويلة. . . . وفتحتُ النافذة واستقبلتُ الهواء النقيَّ أخذت في رياضة التنفس العميق، ثم زاغت عيني إلى الباب فإذا (نابغة القرن العشرين) مقبلٌ مع نابغة قرنٍ آخر. . . . . . .