للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: أن له أخاً يعذبه ويُوقِعُ به ضرباً ويغلله بالسلاسل ويشدُّه (بأمراس كَتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدل) وأنه أنزل به من العذاب ما لو أنزله بحجر لتألم

قلت: فأنت في حاجة إلى راحة ويحسن بك أن تأوي إلى مكان تتمدد فيه

قال: أني منصرف وسأجلس في نديّ كذا (هذا من جهة، ومن جهة ليس معي ثمن القهوة)

قلت: فهذا قرش تدفعه ثمناً لها فاذهب فاستمتع بها وبالتدخين وبالراحة في ذلك الندىّ فالمكان هاهنا كثير الضجيج والحركة.

واستُوفزت للقيام، ولكنه لم يَتَحَلْحَلْ من مجلسه

ثم قال: أراك الآن مُسْتَبْصِرا أني (نابغة القرن العشرين) بعينه

قلت: بل بعينيه اليمنى واليسرى معاً. . .

قال: لا. لا. أنك نسيت أن العرب تقول في التوكيد: عينهُ ونفسهُ وذاتهُ. (أي أنا نابغة القرن العشرين بعينهِ ونفسهِ وذاتهِ، فليس غيري نابغة القرن العشرين)

وكادت نفسي تخرج غيظا ولكني رأيت الحلم على مثل هذا يجري مجرى الصَّدقة، وقلت أن أدباء المجانين كثيرا ما يتفق لهم الإبداع الظريف إذا علَّلوا شيئا كذلك القاصّ الذي كان يقصُّ على العامة سيرة يوسف عليه السلام، فقال لهم فيما قال: إن الذئب الذي أكل يوسف كان اسمه كذا، فردوا عليه: إن يوسف لم يأكله الذئب. قال: فهذا هو اسمُ الذئب الذي لم يأكل يوسف. . .

فقلب للمجنون: فما العلةُ عندك في أن العرب لم يقولوا في التوكيد: عينه وأذنه وانفه وفمه ويده ورجله؟

فنظر نظرةً في الفضاء ثم قال: ليسوا مجانين فيخلطوا هذا الخلط، وإلا وجب أن يقولوا مع ذلك: وعمامته وثوبه ونعله وبعيره وشاتهُ ودراهمهُ. (هذا من جهة، ومن جهة ليس معي أجرة السيارة إلى بلدي وهي قرشان).

قلت: هذه هي أجرة السيارة وصَحِبتك السلامة، ونهضتُ واقفا، ولكنه لم يتحرك.

ثم قال: انك لم تعرف بعدُ (أنى أقول الشعر في الغزل والنسيب والمدح والهجاء والفخر، أني في الخطابة قُسُّ بن ساعدة أو أكثم بن صيفي، أني صخر لا ينفجر. . . يابس لا ينعصر، لست كالحجَّاج بل كعمر).

<<  <  ج:
ص:  >  >>