للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عالما يقنن القوانين العلمية ويوضحها، وكثيرا ما اهتدى إلى نظريات علمية على ضوء الدراسات الفلسفية. فطاليس وفيثاغورس الفيلسوفان الإغريقيان كانا رياضيين وعالمين في الطبيعة، وقد كتب أفلاطون على باب مدرسته: (لا يدخل هنا أحد ممن لم يلموا بأصول الهندسة)، وإذا جاوزنا العصور القديمة وجدنا أن ديكارات أبا الفلسفة الحديثة هو مخترع الهندسة التحليلية، وان ليبنتز كبير فلاسفة الألمان في القرن السابع عشر هو مبتكر حساب الجزئيات. ولئن كانت العلوم قد انفصلت عن الفلسفة الواحد بعد الآخر وكونت دراسات مستقلة لا تزال جمعها مسودة بلهجة وروح فلسفية، وفلسفة العلم النوم هي النقطة الحساسة والرئيسية كل مادة من مواد الدراسة الإنسانية. فالعلم ينزع ثانية إلى أن يكون فلسفيا وان يعود أيضاً إلى كنف أم غذته بلبانها من قديم، والأدب أيضا يتأثر بالفلسفة في أسلوبه ومعانيه، وغاياته ومراميه، وربما كان السر في نجاح كثير من الأدباء المعاصرين تلك النزعة الفلسفية التي رق بها شعورهم، ودق تفكيرهم، وسمت عبارتهم.

فليس ثمة بد من أن نتذوق الفلسفة ونذيقها للناس ما دامت الحياة تملي علينا درسها، والعلم الصحيح يعتمد عليها، والأدب الراقي ينهل من حياضها؛ ومن العار أن نبقى إلى اليوم وليس في لغتنا أبحاث فلسفية سهلة يجد فيها العامة سلوتهم، ولا دراسات عميقة يشحذ فيها الخاصة أذهانهم. أن البحث الفلسفي، ككل الأبحاث الأخرى، ضرب من التثقيف لا يصح أن تحرم منه أمة من الأمم؛ هذا إلى انه يجدر بنا أن تكون لنا فلسفة متميزة ذات لون خاص ومبادئ خاصة، وان ينقل الغرب عنا كما ننقل عنه، وبذا تنتظم دورة الفلك، ويعود التاريخ إلى مجراه، وتتصل الفلسفة العربية الحديثة بالفلسفة الإسلامية القديمة، وإذا كان الناس يتحدثون عن فلسفة إنجليزية وأخرى فرنسية وثالثة ألمانية، فلم لا يتحدثون عن فلسفة مصرية وشامية وعراقية؟

إبراهيم بيومي مدكور

<<  <  ج:
ص:  >  >>