تكن أخذت تتزايل والفلاحون في قرى روسيا التي خرَّبتها الجائحات بقوا على أسلوبهم في دفعها وظلوا على عادتها يربطون أربعاً من أراملهم إلى محراث ثم يدورون بهن في سكون الليل وراء القرية يرسمون حولها أخدوداً هو في حسبانهم خير نطاق يدفعون به شر الوباء وهل كان لدى الأطباء أسلوب في دفعه خير من هذا!
كأني بمدام كوخ تحاول أن تجد لزوجها مخرجاً مما هو فيه:(ولكن يا روبرت أن أساتذة برلين وكبار أطبائها لابد عالمون أسباب هذه الأدواء التي لا تستطيع أنت علاجها) كان هذا من خمسين عاما أو تزيد ولكني أعود فأقول أن أكبر الأطباء في هذا الزمان لم يكن يدرون عن الوباء أكثر مما درى هؤلاء الريفيون الذين ربطوا الأرامل جهلاً إلى المحاريث. قام بستور في باريس يتنبأ بأن البحث لا بد كاشف عن قريب تلك المكروبات التي هي لاشك سبب السل وحتف المسلولين فنهض له رجال الطب أجمع يتقدمهم بيدو ذو المقام الرفيع والأزرة البارقة الصفراء يدفعون خرف هذا النبيَّ المأفون.
صرخ بيدو كالرعد يقول:(أجرثومة خاصة تحدث السل وتقضي على المسلولين! خرافة مؤذية وخاطرة مخطرة! أن السل مفرد وجمع في آن. غايته موت الأنسجة في عضو بالعدوى وذلك عن طرقات عدة من واجب الطبيب وخبير الصحة محاولة سدّها) بمثل هذا الهُراء وهذا الكِلم الفارغ الذي لا معنى له يدفع الأطباء تنبؤات بستور.
- ١ -
أخذ كوخ يقضي أمساءه يلهو بمجهره الجديد ويتعرّف كيف يحرك مرآته ليعكس بها على منظوراته من الضياء على القدر الذي يريده ويتعلم ضرورة تنظيف صفائح الزجاج وتلميعها قبل أن يضع عليها قطرة الدم من أجسام الخراف والأبقار التي قضى عليها مرض الجمرة
وكان هذا المرض الخفي الغريب قد أخذ يقلق بال المزارعين في جميع أقطار أوربا فكان تارة ينزل على المزارع صاحب الألف من الأغنام فيقضي عليها بالهلاك وعليه بالخراب وقد ينزل على الأرملة الفقيرة وبقرتها الوحيدة فيصّبحها وقد عزّها الرزق وساءت مصيراً. لم يكن لهذا المرض أسباب معروفة أو خطة مرسومة يجري عليها في تخيّر ضحاياه. فقد يُصْبح الصباح على القطيع من الغنم فتأخذ عينَك منه شاةٌ سمينة صحيحة جميلة لا تكاد