للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يستقر على أرجلها نشاطاً مرحاً فلا يأتي عليها المساء حتى تعاف الطعام وتميل برأسها بعض الميل ولا تشرق عليها شمس الغد حتى تلقاها باردة هامدة متصلّبة وقد استحال دمها إلى دم أسود كالليل ثم يعود فيحدث نفس هذا لشاة ثانية فثالثة فسادسة فسابعة لا يقف عند حد ثم يأتي دور الفلاح ودور الراعي ودور فرّاز الأصواف ودور تاجر الجلود فتتفجر جلودهم عن خراجات مؤلمة قبيحة أو يلفظون آخر أنفاسهم من التهاب رئوي لا يُمهلهم طويلاً.

بدأ كوخ، كما بدأ من قبله لوفن هوك، بدأ يستخدم مجهره لغير غاية معروفة وغير قصد محدود. فأخذ ينظر به كل شئ، ويحدق من خلاله في كل ما يلقى، حتى وقع على دك الأغنام التي قتلها داء الجمرة وعندئذ أخذ يتجمع فكرة على غاية، ويقف جهده على قصد، وعندئذ أخذ يتناقص نصيب مرضاه من هم نفسه، فقد يقصد إلى مريض فيلقى في طريقه بين الحقول شاة نافقة فينسى المريض وعيادته إياه، واخذ يساور الجزارين يسألهم عن الضياع التي بها تقتل الجمرة الشياه. ولم يكن لكوخ من فراغ الوقت مثل الذي كان للوفن هوك فكان يتحين الفرص بين تطبيبه لطفل يصرخ من وجع بطنه وبين خلعه ضرس قرويّ جاء يفزع إليه من ألمه ففي فترة من تلك الفترات جاء بدم أسود من بقرة ماتت بالجمرة فوضع منه قطرات بين رقيقتين من رقاق الزجاج النظيف البارق ونظر إليها بمكرسكوبه فوجد بين كُرَيات هذا الدم المخضرَّة السابحة أشياء أخرى غريبة تراءت كأنها عصيّ صغيرة وكانت هذه العصيّ أحياناً قصيرة وأحياناً قليلة العدد تسبح في ارتعاد قليل بين كريات الدم وتراءت له كذلك عصيّ أخرى تعلق بعضها في أطراف بعض من غير مفصل يجمعها وقد يتشابك العدد الكثير منها حتى تصير خيطاً طويلاً أرفع ألف مرة من خيط الحرير.

(ما هذه العصيّ؟. . . أهي مكروبات. . أهي حيّة. . . أنها لا تتحرك. . أم هو الدم السقيم في هذه الحيوانات المرزوءة يستحيل إلى هذه العصي والخيوط؟). على هذا النحو دار فكر كوخ في الذي رآه. وكان رجال العلم قبله فد رأوا ما رآه. فدافان ورايان في فرنسا أبصروا نفس هذه الأجسام في دم الأغنام النافقة وأعلنا أن هذه العصي بَشِلّات وأنها مكروبات حيّة وأنها لاشك سبب الجمرة الذي لا مراء فيه - ولكنهما لم يثبتا ذلك بالدليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>