أوّه لقد شط القلم، وسجعت ثم سجعت، وتلك التي تستك منها المسامع. . . ومن عذيري من الفتح بن خاقان إذا هو أعداني بسجعه، وتأثر طبعي بطبعه، وان لم يدرك الظالع شأو الضليع؟ ولكن لا تُرَع فسوف أتجنب السجع ما أمكنني تجنبه، وكذلك لا تتوقع ما دمت بصدد هذا الفتح أن ستسمع سجعاً أندلسياً كثيرا قد يضجرك ويسلمك إلى السأم والملال. فسوف أشعشع كل أولئك بما يلطفه ويسيغه أن شاء الله. . .
وإذا كنت اقدم بين يدي كلماتي قصة الفتح بن خاقان فليس ذلك عن قصد قاصد، ولعل الذي وجّه الذهن إليه الآن هو ما أخذته عيني أخيراً في بعض التواليف الحديثة الموضوعة في بلاغة العرب في الأندلس لبعض أصدقائنا من أساتيذ الجامعة إذ يقول: انه لم يترجم للفتح بن خاقان غير ابن خلكان، وإن المقَّري لم يترجم له في نفح واحد. . . واليك بعد ذلك قصة هذا الأديب الأندلسي:
الفتح بن خاقان
ظهر أبو نصر الفتح بن محمد بن محمد بن عبيد الله بن خاقان عبد الله القبيسي الإشبيلي في عصر هو من خير العصور ومن شر العصور في وقت معا: كان عصراً ذهبياً من ناحية الثقافة، إذ كان عصرا يفقه بكل أنواع المعارف، من علم وأدب وفلسفة، وكان في الوقت ذاته عصر اضطراب سياسي مزعج. . وبَينا الأندلسيون زمَن ملوك الطوائف متمتعون بحرية لاحد لها، يتبجحون فيها ما شاء لهم التبجح، ويلاقي مُثَقَّفُوهم من ملوكهم أقصى غايات الأريحية والإكرام يعيشون في إذرائهم عيشاً تلين لهم مثانيه ومعاطفه، وتدنو عليهم مجانيه ومقاطفه، إذ أنملوكهم كانوا كذل أدباء أفاضل، وعلماء أماثل، أثرت فيهم الحضارة لأندلسية أثرها، فرققت من حواشيهم، وألانت من جوانبهم - بيْناهم كذلك، وجفون الخطوب عنهم نيام، إذ قلب لهم الدهر الخؤون ظهر المجن، وليس لهم جلد النِمر، فكلب عليهم الإسبانيون من الشمال، وطمع فيهم برابربَرٌ العُدوة - مراكش - من الجنوب، فغزاهم المرابطون الخشنون وأزالوا ملكهم، فاستحالت حال الأندلسيين ولا سيما في زمن علي بي يوسف بن تاشفين ذلك الملك الذي كان إلى أن يعد في الزهاد والمتبتلين اقرب منه إلى أن يعد في الملوك والمتغلبين كما يقول المراكشي صاحب المغرب، ويقول عنه أيضاً: واشتد إيثاره - أي إيثار علي بن يوسف بن تاسفين ملك مراكش والأندلس - لأهل الفقه