للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكان شكسبير في هذا الطور قد بلغ الثلاثين من سنه وبدأت نظرته في الحياة تتحول من تفاؤل إلى تشاؤم وأخذت الأفكار والظنون تنتابه فتجعل منه عرضةً دائمة للتفكير والتخيل، فاعتقد أن وراء الإنسان قدر يسيره حسبما يريد، وما الإنسان إلا فريسة لهذا القدر الغاشم.

والطور الثالث ينتهي بإخراج مكبث. ازدادت هذه المخلوقات المغيبة ولكها عاجزة عن إيقاع الضرر بالناس مباشرة ودون أية واسطة، ولم تكن كلمات الساحرات الحقيقة إلا صدى يردد ما كان يدور في خلد بطل الرواية، وكان شكسبير يشعر بالشرور والموبقات تحيط به من كل جانب فأظلم أفكاره وتناوبته الهواجس المختلفة، واصبح في خوف مستمر من هذه القوى الخفية التي تقوم بأعمالها تحت ستار من الظلم والخفاء. وهنا يصل إيمانه بالخرافات إلى القمة ويصبح شكسبير مؤمنا مصدقاً لكل ما يقال له عن هذه الأمور المخيفة المرعبة.

وفي الطور الرابع أو الأخير نراه يخرج للناس رواية العاصفة وفيها يسترد رباطة جأشه وقوة عقيدته فيرجع إلى أفكاره المرحة الطلقة مرةً ثانية. فما الأرواح والقوى الخفية إلا عبيد يستخدمها الإنسان في مهامه وأغراضه، وليس لها من القوة والسلطة على شئ؛ وفي هذه السنوات الأخيرة يصل خياله الابتداعي أقصى غايته. فيشعر بحقيقة الوجود وطبيعة الأمور دون أي ستار أو غطاء.

وقد تخلص شكسبير من هواجسه ومخاوفه وعاد مرة ثانية إلى مرحه وسروره الذي أظهره في صورته التي صورها للجنيات فانطلقت مخيلته في الفضاء مجتازة جميع العوائق من عقائد وأفكار رجعية. وسجلت في روايته الأخيرة نتيجة عبقريته ونبوغه.

وفي كل من هذه الأطوار الأربعة رأينا شكسبير يتخذ مواضيعه مما كان يدور في خلده من المسائل والمشاغل العقلية، فهي مفكر واسع التفكير، مصور حسن التصوير، وشاعر خصب الخيال؛ تجلى تفكيره في كل هذه الأمور العقلية التي بحثها، وظهر تصويره في هذه الرسوم الرائعة التي رسمها لمخلوقات خيالية بأبدع تكوين واحسن تصوير.

نابلس - فلسطين

خيري حماد

<<  <  ج:
ص:  >  >>