أشياء كثيرة يعجز الرجل العادي عن رؤيتها. كانت له القدرة الكافية على تفهم الأشياء المغيبة ففهمها بطريقة تخالف الطريقة التي فهمها الغير.
ولم تكن العقائد الشائعة المصدر الوحيد الذي اعتمده شاعرنا في أبحاثه عن المغيبات، بل كانت هناك مصادر أخرى من الفلسفة الرومانية والإغريقية القديمة مضافا إليها الابتكار الذي أوجده شكسبير دون أن ينقل عن غيره. سمع بأذنه ما يدور بين الناس من هواجس وأوهام فجمعها في شعره إلى ما نقله عن مخلفات السلف وأخرج منها روائع تعد من أعظم مبتكرات الأدب، وأخص بالذكر منها رواية (حلم منتصف ليلة من ليالي الصيف).
وأما الشبح في رواية هملت فيحوي نوعين من الأشباح أحدهما كان من ابتكار الشاعر العبقري والآخر مما نقله عن سابقيه من الكتاب الذين رووا حادثة الأمير هملت بشكل قصصي.
وأما ساحرات مكبث فقد اقتبسها شكسبير عن ويتبين لنا هذا مما قال في هولنشد:(بينما كان مكبث راجعاً إلى العاصمة إذا به يصادف ثلاثاً من النسوة وقد ارتدين ألبسة تشبه ما كان يرتديه النساء في ذلك العصر)؛ وأما شبح بانكو فهو ابتكار ابتدعه الشاعر العظيم؛ وأما رواية العاصفة فيغلب على الظن أنها الأولى من نوعها، وذلك لعدم وجود من كتب في موضوعها من الشعراء والكتاب الذين دونت كتبهم في السجلات وكتب القصص والتاريخ.
تقع حياة شكسبير بالنسبة إلى بحثه في المغيبات في أربعة أطوار: الطور الأول منها هو طور ظهور روايته (حلم في منتصف ليلة من ليالي الصيف) فاستعماله للجنيات مبتكر ومحدث. . وهو سلس في كتابته بعيد كل البعد عما يرهق الذاكرة ويمل القارئ. وقد وصف كلارك كتابه هذا بقوله:(أن استعمال شكسبير المغيبات لأول مرة لمما يدل على سروره ومرحه: فكل روايته هذه ملأى بالبهجة والحبور، ويندر أن تجد هنالك ما يكدرك إلا ما يقع في الأسطر القليلة التي بحثت في الأشباح).
وأما الطور الثاني من أطوار تأليفه فهوة الدور الذي ظهرت فيه روايته الثانية هملت؛ وفي هذه الرواية التمثيلية نشعر بالأرواح والأشباح تتصل ببني البشر اتصالاً لا يكاد يكون تاما، فان هذه القوى الخفية لا تستطيع أن تؤثر في مجرى حياة الإنسان وتحوله في الجهة التي تريدها، ولا يقوم الشبح في هذه الرواية بأي عمل من الأعمال إلا إذا كان بطريق وسيطه؛