وأما روح الرجل الشرير فتحل في جسد أحد الحيوانات الشريرة؛ وقد ذكر شكسبير هذه العقيدة في (الليلة الثانية وفي تاجر البندقية، وفي كل من هذين الموضعين ينظر شكسبير إلى هذه العقيدةنظرة استخفاف وازدراء، فهو يقول على لسان كراشيانو في الرواية الثانية: (انك لتجعل من عقيدتي موضعاً دائماً للشك فيسهل علي حينئذ الاعتقاد بنظرية فيثاغورس التي تقول بانتقال أرواح الحيوانات إلى أجساد البشر).
وفي رواية (الليلة الثانية عشرة) نرى حواراً بين المهرج وبين مالفوليو. واليك نصه:
المهرج:(ما هي نظرية فيثاغورس؟)
مالفوليو:(أنها تعني انتقال روح جدتي إلى جسد أحد الطيور)
المهرج:(ماذا تعتقد في هذه الفكرة؟)
مالفوليو:(أني للأنزَّه الروح أن تنزل إلى هذا المستوى ولذلك فآني اعتقد بأنها نظرية خاطئة)
المهرج:(وداعاً يا صاح! لتبق على جهلك، وستعتقد بهذه العقيدة قبل أن أعيد إليك عقلك، وعندئذ ستتردد في ذبح أحد الطيور مخافة أن تحل روحه محل روح جدتك)
من هذا الحوار يتبين أن شكسبير كان يستهزئ بهذه العقيدة وينظر إليها نظرةاحتقار وازدراء؛ فعقائده الدينية لا تسمح له بهذا التفكير، ولذلك كان جديراً به أن يوليها ظهره وألا يهتم اهتماماً جدياً.
وقبل أن اختم هذا البحث في فلسفة شكسبير الدينية أورد ما قاله جبسن عنه:(إن الاحترام الزائد الذي أبداه شكسبير في رواياته نحو الديانة المسيحية الأساسية لتجعلنا أميل إلى الاعتقاد في نصرا نيته لولا عدم وجود أحد الأدلة لنثبت لنا انه كان مسيحياً صادقاً) ولكنه لم يكن يوماً ما معتقداً بجميع الاعتقادات التي آمن بها أهل عصره. نعم لقد عاش مسيحياً ومات مسيحياً، ولكنه اظهر في بعض الأمور شكا وتساؤلاً عن صحتها وصدقها. نعم كان شديد الاحترام للكنيسة وعقائدها ولكنه خالفها في كثير من المواضع.
خاتمة:
لو تتبعنا نظريات شكسبير في الأمور المغيبة التي ذكرناها سابقاً لرأينا الاهتمام الذي أبداه نحوها، نعم عاش في عصر سادت فيه الخرافات والأوهام، ولكنه تطلع بعين ثاقبة فرأى