للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غنيا إلى حد كبير وإن شئت تكن سعيدا، وإن شئت تكن شقيا؛ وليس يستسلم للقدر إلا من فقد إرادته وأضاع إنسانيته

لقد أتى على الناس زمان كان الاستسلام للقدر عنوان (الولاية) ورمز القداسة، وكلما أمعن الإنسان في التجرد عن الدنيا أمعن الناس في تعظيمه وتبركوا به ولثموا يده؛ ولكن هذا تقدير الماضي أما تقدير اليوم والمستقبل فالولاية والقداسة في العمل، والولي أو القديس المصلح، وهو الذي يبني المجد بعمله لأمته وللإنسانية؛ وهو الذي يواجه العمل في شجاعة وإقدام، لا الذي يفر من الميدان؛ وهو الذي يرسم خطة العمل وينفذها، لا الذي يعزى عن الكوارث ويعود المرضى ويلطف وقع البؤس؛ وهو الذي يشق الطريق لمحو الفقر عن الفقراء والبؤس عن البؤساء، لا الذي يذرف الدمع ويوصي بالصبر على احتمال الفقر من غير حث على العمل، والتفكير في طرق الخلاص من البؤس؛ وليس الولي والقديس من يحلم بل من يعمل

مضى الزمن الذي كنا نرصد فيه النجوم لنتطلب السعادة من سلطانها، ونتجنب الشقاء في أوقات نحسها، وأصبحنا نشعر بان النحس نحس الخلق وموت الإرادة، والسعادة حياة النفس وتفتح الأمل، والمشي في مناكب الأرض، وإعمال اليد والعقل في جلب الرزق، وجلب الخير، ودفع الشر، ودفع البؤس والفقر

خير لك إن كنت في ظلمة أن تأمل طلوع الشمس غدا من أن تذكر طلوعها أمس؛ فلكل من الظاهرتين أثر نفسي معاكس للآخر، ففي ترقبك طلوع الشمس غدا الأمل والطموح إلى ما هو آت، وفي هذا معنى الحياة؛ وفي تذكرك طلوعها أمس حسرة على ما فات، وألم من خير كنت فيه إلى شر صرت فيه، وفي ذلك معنى الفناء

وفرق كبير بين من يُلطَم اللطمة فلا يكون له وسيلة إلا البكاء، وتذكر اللطمة ثم البكاء، ثم تذكر اللطمة ثم البكاء، وبين من يلطم اللطمة فيستجمع قواه للمكافحة. والحياة كلها لطمات، وأعجز الناس من خارت قواه أمام أول لطمة فهرب. ولو أنصف الناس لقوموا الناس بمقدار كفاحهم، لا بمقدار فشلهم ونجاحهم

شر ما ألاحظ في الشرق حنينه الشديد إلى الماضي، لا أمله القوى في المستقبل، واعتقاده أن خير أيامه ما سلفت لا ما قدمت، وإعجابه الشديد بأعمال الماضين وإهمال المعاصرين؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>