فقلت للمجنون: أجبه أنت. فسأله: وهل بدأ القرن الواحد والعشرون؟ قال لا
قال: فان هذا الذي إلى جانبي نابغة القرن الواحد والعشرين. . . فكما جاز أن يكون هو نابغة قرن لم يبدأ، جاز أن أكون أنا نابغة قرن لم ينته
قلت: ولكنك زدت المشكلة تعقيدا من حيث توهمت حلها. فكيف يكون معك في آن وبينك وبينه خمس وستون سنة؟
فنظر نظرة في الفضاء، وهو كلما أراد شيئا عسيرا نظر إلى اللاشيء. . . ثم قال: هذه الأمور لا تشتبه إلا على غير العاقل. . . وكيف لا يكون بيني وبينه خمس وستون سنة وأنا أتقدمه في النبوغ بأكثر من علم العلماء في خمس وستين سنة. . .؟
قلت للآخر: أكذلك؟
قال: مما حفظناه عن الحسن: أدركنا قوما لو رأيتموهم لقلتم مجانين، ولو أدركوكم لقالوا شياطين. . .
فضحك الأول وقال: إنه تلميذي
قال الثاني: لقد صدق فهو أستاذي ولكنه حين ينسى لا يذكّره غيري. . .
قلت: لا غرو؛ (فما حفظناه) عن الزهري: إذا أنكرت عقلك فقدحه بعاقل. . .
فغضب نابغة القرن العشرين وقال: ويح لهذا الجاهل، الأحمق، الجاحد للفضل، مع جنونه وخبله. أيذكّرني وهو منذ كذا وكذا سنة يحفظ متنا واحدا لا يمسكه عقله إلا كما يمسك الماء الغرابيل؟ صدق والله من قال: عدو عاقل خير؛ خير؛ خير. فقال الثاني: خير من صديق جاهل، ها أنذا قد ذكرتك من نسيان، وهانت ذا رأيت
فضحك النابغة وقال: ولكني لم أرد أن أقول هذا، بل أريد أن أؤلف كلاما آخر. . . . . . عدوا عاقل خير، خير، خير؛ خير من مجنون جاهل. . . . . .
ورأيت أن في التقاء مجنونين شيئا طريفا غير جنونهما، وصح عندي أن المجنون الواحد هو المجنون؛ أما الاثنان فقد يكون من اجتماعهما وتحاورهما فن ظريف من التمثيل إذا وجدا من يصرفهما في الحديث، ويستخرج ما عندهما، ويستكشف منهما قصتهما العقلية. . . . . . . . . . . .