قال ا. ش: فأملِ علينا هذا الشعر. فأملى عليه
يا حليف السُّهْد قل لي ... أين مَنْ في الدهر خالْ
إن تكن تهوى غزالا ... أكحل العينين مالْ
أنا أهواها ولكن ... لا سبيل إلى الوصالْ
منذ ولَّت قلتُ مهلاً ... منذ غابت في خيالْ
أنا مجنونٌ بليلى ... ليلَ يا ليلى! تعالْ
قلنا ولكن ليس هذا مدحا. فضحك وقال: أردت أن تعرفوا أني أقول في الغزل، أما المديح فهو:
شغفَ الورى بمناصبٍ وأماني ... وشَغَفْتَ يا نحاسُ بالأوطان
حسبوا الحياةَ تفاخرا وتنعّما ... وحسِبتها للهِ والأوطان
ثم ارتَجّ عليه فسكت. قال المجنون الآخر: إنها ستة أبيات، وقد نسيت أربعة، ولست أريد أن أذكرك
فقال (النابغة): أظنه قد حان وقت الصلاة وأريد أن أصلي. . . ونظر إلى اللاشيء في الفضاء ثم قال. والبيت الأخير:
لا أبتغي في المدح غيرَ أولي النُّهى ... أو صادق أو شوقي أو مطران
ثم أمر ا. ش أن يقرأ عليه الشعر فقرأه، فقال: أحسنت، أنظر إلى فوق؛ فنظر، ثم قال انظر إلى تحت؛ فنظر ثم سكت
قال ا. ش: وبعد؟ قال: وبعد فإن الناس ينظرون إما إلى فوق وإما إلى تحت. . .
وكان الضجر قد نال مني، فرجوت ا. ش. أن يلبث معهما وأذنت لنابغة القرن العشرين أن يلقاني في الندى وانصرفت
قال ا. ش وهو يُنبّئني: فما غبت عنا حتى أخذ المجنون يشكو ويتوجع ويقول: لقد حاق بي الظلم، وإن (الرافعي) رجل عسوف ظالم لأني أكتب له كل مقالاته التي ينشرها في (الرسالة). . . وأجمع نفسي لها، واجهد في بيانها، وأذيب عقلي فيها، وهو مستريح وادع، وليس إلا أن ينتحلها ويضع توقيعه عليها ويبعث بها إلى المجلة ثم يقبض هو فيها الذهب وينال الشهرة ولا يدفع لي عن كل مقالة إلا قرشين. . .