خصومه ومنافسوه من زعماء القبائل العربية، هي التي حملته على الاسترابة بالعرب وعلى اصطفاء البربر والموالي الذين آزروه وقت المحنة ومكنوه من توطيد زعامته وإمارته؛ وقد حافظ خلفاء الداخل على هذه السياسة في جوهرها منذ البداية لشعورهم بأهميتها وضرورتها لمقاومة نفوذ القبائل الخصيمة التي كانت تتقاسم السلطان والنفوذ قبل قيام الدولة الأموية؛ وظهر الصقالبة بكثرة لأول مرة في البلاط الأندلسي في عهد الحكم المنتصر حفيد عبد الرحمن الداخل (١٨٨ - ٢٠٦هـ)؛ وكان الحكم يعشق مظاهر الفخامة والملك فغص البلاط الأموي في عصره بالخدم والحشم من المماليك والصقالبة حتى بلغ عددهم زهاء خمسة آلاف وأخذ نفوذ أولئك الصقالبة يقوى شيئا فشيئا داخل القصر والبطانة. بيد أنه لبث مدى حين بعيدا عن الشؤون الدولة العليا قاصرا على شؤون القصر والخاص
وفي عهد الناصر قوى نفوذ الصقالبة وازدهر؛ وكان الناصر يجري على سنة سلفة عبد الرحمن الداخل في الاسترابة بالقبائل العربية ذات العصبية والبأس وفي إقصاء زعمائها عن مناصب النفوذ والثقة؛ وكان يمعن في الاستئثار حتى لقد ألغى وظيفة الحاجب، وجمع مقاليد الحكم كلها في يده؛ وعهد بالمناصب الكبيرة إلى رجال وضيعي المنبت من الصقالبة والموالي المعتقين أو الأرقاء؛ وهم رجال لا إرادة لهم يوجههم كيفما شاء؛ وكان يثق بالصقالبة بنوع خاص ويوليهم من النفوذ مالا يوليه سواهم
ومنذ أواسط عهد الناصر يبدأ نفوذ الصقالبة الحقيقي في بلاط قرطبة. وقد كانت كلمة الصقالبة تطلق في الأندلس كما قدمنا على الأسرى والخصيان من الأجناس الصقلبية الحقيقة؛ ولكنها غدت تطلق بمضي الزمن على جميع الأجانب الذين يخدمون في البطانة وفي الجيش؛ ولما استحكم نفوذ الصقالبة واستأثروا بحماية الخليفة والقصر، أضحت الكلمة تطلق منذ عهد الحكم المستنصر على الحرس الخلافي وقد انتهت إلينا عن صقالبة الأندلس في العصر رواية شاهد عيان هو الرحالة البغدادي أبن حوقل الذي زار قرطبة والزهراء في أواخر عهد الناصر أو أوائل عهد أبنه الحكم المستنصر وبحث أحوال الصقالبة وكتب عنهم في رحلته ما يأتي:
(وبالأندلس سلاح كثيرة ترد إلى مصر والمغرب، وأكثر جهازهم الرقيق من الجواري