(وهذه زوجتي؟) وإذا كنت رجلا تنفذ إليه المرأة بين الشيطان والحيوان منه، ويصده عنها الرجل الذي في عقله، أفكنت غير الرجل الذي يريد أن يتمم القصة التي أتمها الله لآدم بحواء؟ وهل قال الله لآدم:(هذه متسماة عليك؟) أم قال لملك الحب: (ضع سحرك، وابذر لغرسك؟) فهم آدم ليعانق حواء، وهمت هي لتعانقه، فبدت الطبيعة أجمل ما تكون في عين رجل وامرأة، ورأى بعين الحب التي تشع نظراتها من القلب، وهو كان يرى بعين الجسد فما وراء نظرته معنى ولا عاطفة. ثم خلق من حبهما شاعرا، وأديبا، وفيلسوفا، وعبقريا و. . . وعاشقا وعاشقة
قلت: وي! كأنك طرت من الدنيا فلم تهبط إلا في الفردوس؛ كأنك لا ترى أنك في حجرة إن لم تكن ضيقة فهي ليست بالواسعة!
واندفع الشاب في خياله، وكأنه أراد أن يجمع إلى كتبه التي يطالعها؛ ويرى الجمال في صفحاتها، صفحة أخرى من جمال الطبيعة، وثالثة من جمال المرأة؛ وظن الجمال في عقله عند الكتاب، وفي نظرة تحت ظل شجرة وارفة على ضفاف الوادي، في قلبه عند امرأة جميلة يميل إليها ويحبها ويرافقها إلى حيث يشبه الطائر الذي تحدث عنه؛ وفي أذنه عند زقزقة العصافير، وفي حديث هذه الفتاة التي يزعم عندها الجمال والرقة والعقل؛ وفي شمه عند نسيم الصباح وشذى هذه المحبوبة التي عرفها وهيمها وهيمته، وخيل إلي أن تعاويذها قد فعلت فيه، وأن قارها قد نالت منه، وأنه قد أسلس لها وانقاد، فقلت: أما أنت منها فكالذي نوم فهو يسير على غير إرادته، أو سحر فهو ينظر بغير عينيه، أو التاث فهو يمشي في غير طريقه؛ وأن كان أستاذنا قد قال: فما يملك أن يرفع السحر عنك، ولكن في كلماته سحرا من نوع آخر. . .
قال: والذي يذهب بعقلي أن يقول الناس: إنك مسحور أو بك لوثة؛ وقد تعلمت - فيما تعلمت من حياتي - أن أفكر بعقل الفيلسوف، وأن أطير في سماء الخيال إلى حيث أقع؛ ولئن كان الخيال قد أضر بي قليلا، إنه لقد شب معي مقدار ما شب عقلي معي، فكان عقلي وخيالي، ثم كانت حياتي وكلها دراسة عميقة فلسفية - فحجب عقلي خيالي حينا، ثم عاد خيالي للظهور مع هذه، ولكنه لم يحجب عقلي، وكانت هي عقلا إلى عقلي، وليست خيالا إلى خيالي؛ فكان عقلي أولاً ثم خيالي الصغير، وكانت تقول: (أنا لك بعد عملك ومستقبلك،