ولست لك إلا أن تكون رجلا فذا) فتدفعني بكلماتها وقلبها وعقلها إلى المثل الأعلى. فيا ضيعة الأمل إن خاب هذا المثل، ورددت إلى منزلي لأرى فيه مصيبتي!! ويا خيبة الرجاء إن صرت كذلك الحداد أو النجار أو الحوذي، أو. . . أو غيرهم ممن لا يرون في الحياة إلا أنها اللقمة والثوب والمأوى، ثم. . . ثم ذلك الضجيج البيتي الذي يصبح فيه هو وزوجته ويمسي، والذي يشب عليه أبناؤهما فيأخذون من سوء الخلق، وضعة الأخلاق، وسفالة الطبع، والشقاق، والتنابذ، مما رأوا عليه أبويهم
إن أستاذنا ليقول: إنها فتاة الشعر والخيال، وما هي كذلك، وما قابلتها مرة، أو حاولت ذلك إلا بعد أن خلع عني خيالي، لأخاطبها بلسان الفيلسوف، وعقل الحكيم، وكم أردت أن أقول لها:(أي فتاتي. . . . . .) لأندفع في غزل رقيق، فكانت تنظر إلي بعين تقول منها:(ليست هذه لغتنا. . .) فأرتد لأقول: (ولقد قرأت. . . . . .) ثم أخلو لنفسي لأشبع رغبتي في الحديث الآخر. . . بيني وبين نفسي. . .!
قلت: أفترى أن الفيلسوفة العالمة تستطيع أن تكون زوجا وربة دار، وأن تكون أما ومديرة بيت؟ وهل تراها تنشئ لك الحياة التي قدرتها في خيالك؟ إن الحياة - يا صديقي - شيء غير هذا كله، وإنك لمن بيت فيه الدين والاحتشام والشهامة؛ أفليس من ذلك كله أن تمسك عليك زوجك التي اختار أبوك، وأن تمنحها من نفسك ما يمنح الزوج؟
قال: إنك تنحو منحى أستاذك. أفتريد أن تضيف إلى همومي هماً آخر، وأنا جئتك أستعينك على همي. . .! لقد كان أستاذك في مقاله كالذي ينزع سكينا هو أغمدها في صدري ليداوي جرحا هو الذي بلغ به هذا العمق العميق، حتى إذا ما التأم أو كاد، عاد فنكأه، ثم عاد ثالثة ليداويه. . .! وصاحبتي التي اصطلحتما عليها لم تكن مني إلا بمنزلة المنظار من عين الأعشى ينظر من خلاله إلى هذا العالم فيرى ما يراه ذو العين الصحيحة؛ ولم تكن من قلبي إلا بمنزلة الاطمئنان من قلب مضطرب، ولم تكن من عقلي إلا بمنزلة الطبيعة تفتح فيه طرقا معبدة؛ ولم تكن من حياتي إلا بمنزلة الصديق الوفي. ولعلك تذكر يوم أن كتبت إليك وكنت بعيدا:(لقد أبللت من مرضي. . .) كان أخي في منأى عني، ووقفت زوجتي جوار سريري، لا تعرف كيف تصب الدواء في فنجانه، ولا متى يكون. وهفت نفسي إلى التي أحبها حين خيل إلي أني أموت فكتبت إليها وألححت؛ فزارتني على استحياء، ثم ألححت