للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فوقفت مني موقف الطبيب من مريضه. . . ثم كتبت إلى أهلي تقول: (إن أبنكم يحتاج إلى من يقوم عليه. . .) كتبت ذلك حين رأت أن في زيارتها شيئا، ثم. . . ثم لم تعد

ولم أبللت وخرجت للقائها قالت: لقد كنت قاسيا، وما استطعت أن أرفض حين رأيت الخطر. وما كان أجدر بي وبك ألا نقطع هذه المرحلة. يا لشقائي بك! ويا لشقاء زوجك بك! لقد أصبت قلبين بسهم.

وقالت لي وقلت لها، ثم افترقنا، وأردت أن أهب إلى التي في داري بعض نفسي فأشعرها بأننا أنثى ورجل؛ فارتد قلبي عنها، ثم أرغمته فارتد أخرى، وأظلم منزلي من بهجة العزوبة ومن جمال الزواج معا. وأصبحت الدار التي جعلتها لسكناي هي جحيمي، ففررت إلى الشارع وإلى عملي؛ وشعرت الأخرى أنها لا تملك في هذا المنزل ما تملكه الزوجة ففرت إلى حجرتها وإلى خادمتها؛ واعتزلتها، واعتزلتني؛ ورجعنا إلى ما كان، حين كان بيننا (الباب المغلق) سنوات تسعا

قلت أن أولى الناس بإحسان المحسن، هو القريب، فالجار الجنب، فالصاحب بالجنب؛ وقد عرفتك محسنا، وهذه من ذوي قرابتك، وأقرب إليك من جارك؛ أفلا تكون محسنا معها؟

قال: لقد كنت أستطيعه لو وجدت النور. إنها لظلام وظلام وظلام. . . أما الظلام الأول ففي منزلي، وأما الظلام الثاني ففي قلبي، وأما الظلام الثالث ففي عقلي. . .!

وصمت وصمت؛ وكان كأنه يسترجع الذكرى، ذكرى أيام خلت، ذاق فيها حلاوة العيش، وسعادة الرضى، وكأن حياته بماضيها ومستقبلها قد جمعت في أشهر كانا فيها. . .

ثم التفت إلي كالمذعور وقال: أما أنني كنت معها غير الرجل الذي فيه الرجولة فقط، وأما أنها كانت معي غير الأنثى التي فيها الأنوثة فقط - فلا. إلا أنها كانت توحي إلي بكلام هو من لغة السماء، وتصب في حياة هي حياة أهل الخلد؛ وكنت إلى ذلك مطمئنا وقد اطمأنت هي أيضا إليه. وقنعت وقنعت. والناس يرون في الحب الفاحشة ولا يرون فيه المجد. والذي يعيش في حياته بلا حب كالشجرة العانس. ليس إلا هي في الحديقة، ولا سبيل إلى أن تجد الشجرة الأخرى. . . فلا هي بالذابلة الجافة، ولا هي بالمثمرة؛ ولكنها بارتفاعها وفقرها تقول: (أنا. . . أنا الموجود الذي لا وجود له.) فما أسرع ما تمتد إليها يد لتقتلعها، وحين ترى نفسها وقد نالتها فأس الحطاب تقول (. . أنا. . ويلي!. . أنا الضائعة). أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>