للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويدور علي بعينه في معسكر عدوه ليرى مطلع هذه البدعة فيجد انه عمرو. وهنا ينكشف لعينه سرها. . إنها خدعة. . إنها حياة، ولكن قومه لا يسمعون. وهاهي صفين تنفض، والأشتر يؤمر بالرجوع، وينجو معاوية، ويحول أبن العاص المعركة من حرب السيوف لحرب الفكر واللسان لكي يشل قوة علي، ولكي يكون هو في ميدانه الصالح له. ثم انظر إليه يتدخل حتى في اختيار علي لمندوبه. . . إنه ليتصل بالخونة من أنصار علي ويوعز إليهم فيرفضون عبد الله بن عباس لأنه فتى ذكي مخلص لقضية علي. ثم يرفضون الأشتر لأنه متفان في خدمة أبن أبي طالب، ولكنهم يؤيدون الأشعري لأن عمرا يعرف أن بينه وبين علي شيئا، وأن التفاهم قد يجدي معه كثيرا، وينفض الجمع ليلتقي في دومة الجندل

ترى فيما يفكر أبن العاص في هذه الفترة. . . في مصر وأمورها. . . لأنها ستعود إليه بعد قليل. . إنه يكيد لواليها الجديد قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري فيشيع في حزب علي أن قيس قد أنضم لحزب معاوية، فيعزله علي ويضع مكانه الأشتر النخمي فيموت الأشتر مسموما عند (مسروره) بالقلزم في ٥ رجب ٣٧. . . أترى لعمرو يد في ذلك؟

ثم يكون التحكيم الذي لم يرو التاريخ مثله أبدا، والذي لم يوفق مؤرخ في روايته على أصله أبدا، والذي يرفض العقل أن يقبله في صورته التي وصلت إلينا. . . ولكننا نستطيع أن نفهم منه كيف كان الناس ينظرون إلى عمرو! وكيف اعتبرته الأجيال اشد الناس لؤما وأكثرهم خبثا. . . لقد وفق عمرو توفيقا عظيما. . . ولم يكن توفيقه راجعا إلى مهارته في الكيد وحدها، بل إلى وجود الضعاف والخونة في صفوف خصمه وحسن استفادته من هؤلاء. . . هذا هو يتدخل في انتخاب مندوب علي ويرضى أخيرا عن أبن موسى الأشعري لا لأنه أبله أو شيخ كما يزعم الرواة، بل لأنه غير راض الرضى كله عن علي. . . ولأنه قابل للفتنة مستعد للمساومة؛ وهذا عمرو يخلو به ساعات طوالا يتحدث إليه في الأمر: ويتفنن في إقناعه. . . وينفذ إليه من شتى السبل حتى يوفق إلى تشكيك الرجل في عدالة قضية علي، بل إلى اتهامه بمقتل عثمان. . . فإذا خلص من هذا فقد أفهمه أن لعثمان أولياء يطلبون ثأره من القاتلين. . . وأن الأولياء هم معاوية وعامة آل أمية. . . فإذا خلص إلى هذا فقد أقنع خصمه بعدالة ثورة معاوية. . . ثم يسأله: فماذا يا ترى؟. . فيصمت الشيخ فيقول عمرو: أننا نرضى بتنازل علي ثمنا لدم عثمان؛ فلا يرى أبو موسى

<<  <  ج:
ص:  >  >>