يقول إلا أن يعجب من هذا الحمق في هذا التشبيه؟
فهدأ (النابغة) وسكن غضبه وقال: صدقت ولهذا أنا لا أشبه حبيبتي بالقمر.
قلت: فبماذا تشبهها؟
قال: لا أقول لك حتى أعلم بماذا تشبّه أنت حبيبتك.
قلت: وأنا كذلك لا أشبهها بالقمر.
قال: فبماذا تشبهها؟ قلت: حتى أعلم بماذا تشبه أنت. . .
قال: هذا لا يُرضي منك وأنت أستاذ (نابغة القرن العشرين) ولك حبائبُ كثيراتٌ عدد كتبك، وقد أعجبتني منهن تلك التي في (أوراق الورد) وأظنك أحببتها في شهر مايو من سنة. . . من سنة. . .
قال المجنون الآخر: من سنة ١٩٣٥؛ هاأنذا قد نبهتك.
قال: يا ويلك! إن (أوراق الورد) ظهرت من بضع سنين، إنما أنت من بُلهاء البيمارستان لا من بله أوراق الورد. . . ماذا كنت أقول؟
قال أ. ش. كنت تقول: هذا لا يرضي منك ولك حبائب كثيرات.
قال: نعم لأنك إذا شبهت واحدة منهن بالقمر انتهى القمر وفرغ التشبيه فيظل الأخريات بلا قمر. . . ثم إن كلمة القمر لا تعجبني، فلونها أدكن مغبر يضرب أحياناً إلى السواد. . .
فإذا عشقتُ زنجية فههنا محلُّ التشبيه بالقمر. . . أما البيض الرعابيب فتشبيههن بالقمر من فساد الذوق.
قال س. ع.: وللألفاظ ألوان عندك؟ قال: لو كنت نابغة لأبصرت في داخلك أخيلةً من الجنة. ألم يقل أستاذنا آنفاً عن (نابغة القرن العشرين) إنه هبط من كوكب إلى كوكب؟ فقي كوكبنا الأول يكون لنا سمع ملوَّن وحسٌ ملوَّن، نسمع قرع الطبل أزرق، ونفخ البوق أحمر، ورنين النغم الحلو أخضر، والوجود كله صورٌ ملونةٌ سواءٌ منه ما يرى وما يحس وما هو مستخفٍ وما هو ظاهر.
ثم أومأ إلى المجنون الآخر وقال: واسم هذا الأبله كلفظ الحبر لا أسمعه إلا أسود. . .
وسكت (النابغة) وسكتنا؛ فقال له س. ع. مالك لا تتكلم؟ قال: لأني أريد السكوت. قال: فلماذا تريد السكوت؟ قال: لأني لا أريد أن أتكلم. . .