للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أساس البساطة، فأبسط الفكرتين أصحهما؛ فمثلاً لما أتى كوبرنيك برأيه الجديد عن الكون يعارض به رأي بطليموس القديم، كانت كلتا الفكرتين صادقة إذا قيستا إلى ما ينجم عنهما من النتائج العملية في حياة الناس، ولكن ما دامت فكرة كوبرنيك أقل تعقيداً من الأولى، كان لزاماً أن يقع عليها اختيارنا.

٣ - ولا بد للفكرة بعد هذا وهذا أن تطمئن لها نفس الإنسان وترضى ما دام لا يتعارض مع القيمة العملية. فالعقيدة الدينية مثلاً، على الرغم من أن ليس لها قيمة فورية في حياتنا إلا بمقدار ضئيل، إلا أنها واجبة، لأنها تخلع على حياتي صبغة من التفاؤل، وهي في الوقت نفسه تنسجم مع الأفكار الأخرى ولا تتعارض معها. ومعنى ذلك أنه إذا تساوت ظروف فكرتين، ثم كانت إحداهما تبعث التفاؤل والأخرى تبعث التشاؤم، كانت الأولى بالنسبة لنا أصدق وأصح. فالمؤمن والملحد كلاهما لا تؤثر عقيدته في شؤون حياته! ولكن الأول متفائل يرجو الآخرة، والثاني متشائم لا يرجو شيئاً؛ إذن فالإيمان أصدق من الإلحاد وأحق، لأنه أجدى على الإنسان وأنفع.

تلك هي الحقيقة في عرف هذا المذهب؛ ولقد يعترض بحق أنها قد تؤدي إلى التنافر بين الناس، وإلى عدم انسجامهم في سلك المجتمع، لأن كل فرد سينتقي لنفسه الرأي الذي ينفعه بغض النظر عما يتخذه سواه من آراء؛ وإذن ففلسفة الإنسان ستعتمد على مزاجه وظروفه، ولكننا نسارع فنقول إن مذهب الذرائع قد أحس في نفسه بهذا النقص، فحاول أن يوفق بين قواعده وبين مصلحة الجماعة لا الفرد، فقرر أن الرأي الصحيح هو الذي يكون له فائدة عملية لأكبر عدد ممكن من الناس، بل ويحسن أن تشمل نتائجه النافعة الإنسانية بأسرها، وإذن فلا ينبغي أن نحكم على رأي بالصواب أو بالخطأ إلا بعد تجربة اجتماعية طويلة الأمد. ولكن يؤخذ على مذهب الذرائع وجوه أخرى من النقص نرجو أن نعرضها في مقال تال.

زكي نجيب محمود

<<  <  ج:
ص:  >  >>