للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخارجية في ذاتها لها ألوان، إنما الألوان من صنع أعيننا، ولكني ما دمت أستطيع بفكرة اللون التي في ذهني (وإن لم تكن موجودة في الخارج) أن أميز الأشياء فأعرف التفاحة الناضجة مثلاً باحمرارها؛ والفجة باخضرارها، ففكرة اللون صحيحة صادقة. كذلك قل في الصوت، فليس للأصوات وجود في الخارج، إنما هي أمواج تقصر حيناً وتطول حيناً، حتى إذا ما قرعت الأذن، ترجمتها هذه بما نعهد من أصوات، ولكن ماذا يعنيني من عدم مماثلة فكرة الصوت في ذهني للأمواج الخارجية في الهواء، ما دمت أعرف أن هذا الصوت المعين يدل على سيارة قادمة فأنجو بحياتي من الخطر؟ إن فكرة الصوت حقيقة ما دامت تعمل على نجاح الحياة وبقائها. . . إن الحياة كما يعرفها سبنسر هي ملاءمة حالات الإنسان الداخلية بالظروف الخارجية، وإذن فالعقل الصالح للحياة هو ذلك الذي يدرك اختلاف الظروف الخارجية لنعدل من سلوكنا بما يلائم الموقف الجديد، وليس يعنينا بعد ذلك في كثير ولا قليل أن تكون الصورة الذهنية التي رسمها لنا العقل من الأشياء الخارجية، مطابقة لأصلها أو مشوهة محرفة، فالحقيقة العليا في الوجود هي الاحتفاظ بالبقاء أولاً، ثم الارتفاع بالحياة نحو الكمال. فكل ما يؤدي ذلك هو حق صريح. وفي ذلك يقول (ديوي) العالم الأمريكي المعروف: إن الفكر أداة لترقية الحياة وليس وسيلة إلى معرفة الأشياء في ذاتها. ويقول (شلر): إن الحقيقة هي ما تخدم الإنسان وحده. وكلا الرجلين من دعاة هذا المذهب.

ونحن نجمل فيما يلي ثلاثة الشروط التي يضعها مذهب الذرائع لصدق فكرة ما:

١ - فأولاً يجب أن يكون للفكرة قيمة فورية - ومعناها أن الإنسان يجب أن يشاهد صحة رأيه أو خطأه في تجربته العلمية، فإن جاءت هذه التجربة العلمية موافقة للفكرة كانت الفكرة صحيحة وإلا فهي خاطئة.

٢ - وثانياً أن تكون الفكرة منسجمة مع سائر أفكاري وآرائي. فلا يكفي أن تكون كل فكرة صحيحة على حدة بالنسبة لقيمتها الفورية، ولكنها يجب كذلك ألا تناقض الأفكار الأخرى. فلا يجوز مثلاً أن أفرض نوعاً من الذرات في علم الطبيعة، ثم أفرض نوعاً آخر منها في علم الكيمياء، حتى ولو كان كل منهما صحيحاً في ميدانه الخاص - فإذا وجدنا أمامنا فكرتين عن شئ ما، كل منهما صحيح بالنسبة لقيمته الفورية، وجب أن نختار إحداهما على

<<  <  ج:
ص:  >  >>