ومع ذلك فكلام السيد أمير علي لا ينطبق على الواقع، فإنه إذا كانت الولاية على الأمصار قد أسندت في بعض الأحوال إلى أمراء من بني أمية كمسلمة ومروان بن محمد فإن ذلك إنما كان لما عرفوا به من الكفاية الممتازة لا لقرابتهم من الخلفاء. ثم إنه لم يكن لبني أمية بلاط بالمعنى الصحيح يولي كبار رجاله على الأمصار كما أن الأمراء لم يكونوا يقيمون بالعاصمة ويستنيبوا غيرهم على الأمصار، إنما كانوا يقيمون في حواضر الأقاليم نفسها. هكذا كان خالد القسري أمير العراق، ونصر بن سيار أمير خراسان وحنظلة بن صفوان أمير مصر. وإذا انتفت الاستنابة فلا نيابة ولا إثراء ولا رشوة. ولا شك أن السيد أمير علي كان يفكر وهو يكتب هذا الكلام في نظام الولاية على الأقاليم في العصر العباسي الثاني عندما غلب الأتراك على الدولة العباسية، وهو خلط لا مبرر له.
ويتكلم المؤلف (ص ٥٧٦) على نظام (العدول) في معرض الكلام على نظام القضاء في عصر الخلفاء الراشدين وبني أمية فيقول (وقد دعت سنة التقدم والارتقاء إلى اتخاذ الشهود (المحلفين) حين فشت شهادة الزور، إذ جرت العادة أن تقبل شهادة من يتقدم لأدائها، سواء أكان ممن عرف بالخير أو بالشر. فقضى النظام الجديد بتعيين شهود عدول، عرفوا بحسن السمعة والفقه، فصاروا من هيئة المحكمة، يعمل برأيهم القاضي فيما له علاقة بالمتقاضيين.
وكان من اختصاصاتهم أيضاً الشهادة على ما يصدره القاضي من الأحكام وأنه غير مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية) لاشك أن المؤلف تناول هذا الموضوع لاعتقاده أن نظام العدول وجد في العصر الذي اتخذه موضوعاً لكتابه. وهو اعتقاد خطأ فأول ما سمع عن نظام العدول إنما كان زمن الرشيد أي في الدولة العباسية (أنظر كتاب تاريخ القضاء في الإسلام ص ١٣٢) ثم إن كلام المؤلف لا يجلو هذا النظام على حقيقته وفيه تخليط كثير (راجع الكتاب المذكور).
ويقول المؤلف في ص ٦٢٧ وهو يتكلم على الجامع الأموي بدمشق:(وقد تأنق الوليد في بناء هذا المسجد حتى قيل أنه أنفق على عمارته خراج دولته سبع سنين وما ذلك إلا ليتقرب إلى الله بهذا العمل الديني الجليل). والمؤلف ينقل هنا عبارة المستشرق فون