للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فطرب المجنون الآخر واهتزّ في مجلسه، وصفَّق بيديه، وقال: (مما حفظناه) هذا الحديث: يحاسِبُ الله الناس على قدر عقولهم؛ فلا تؤاخذ س. ع. فان مدرسة دار العلوم تعلمهم (فيها قولان)، وفيها ثلاثة أقوال، وفيها أربعة أوجه؛ ولكنها لا تعلمهم فيها أربعة طوابع. . . . . .

ثم التفت إلى س. ع. وقال له: لا عليك، فأنا صاحبُه وخَليطُه وحاملُ عِلمه وراويةُ أدبه وأكبر دُعاتِه وثقاته، وما علمتُ هذه الحكمة منه إلا في هذه الساعة

قال ا. ش: فإذا كان هذا، فان لقائلٍ أن يقول: لماذا لم يضع على كتابه عشرة من الطوابع فيجيء به الساعي عشر مرات

قال (النابغة): وهذا أيضاً. . .

وما شرُّ الثلاثةِ أُمَّ عمرٍو بصاحبك الذي لا تصحبين؛ إن الشمعة في يد العاقل تكون للضوء فقط، ولكنها في يد المجنون للضوء ولإحراق أصابعه. . . كم الساعة الآن؟

قلنا: هي التاسعة

قال: ومتى ينصرف أهل هذا الندىّ؟

قلنا: لتمام الثانية عشرة

قال: فإذا كان الساعي يتردد في كل ساعة مرة، فهي أربعُ مرات إلى أن ينفضَّ المجتمعون هنا، وبين ذلك ما يكون قد ذهب قومٌ عرفوا (نابغة القرن العشرين)، وجاء قوم غيرهم فيعرفونه، وأما بعد ذلك فلا يجد الساعي هنا أحداً فلا تكون فائدة من مجيئه

فصفَّق المجنون الآخر وقال: هذا وأبيك هو التهدّي إلى وجه الرأي وسداده، وهذا هو الكلامُ الرصينُ الذي يقوم على أصول الحساب والجغرافيا. . . (ومما حفظناه) هذا الحديث: لا مالَ أعودُ من العقل. فأربعة طوابع، لأربع مرات، في أربع ساعات، وما عدا ذلك فإسرافٌ وتبذير، ولا مال أعودُ من العقل. . .

ورضى (النابغة) عن صاحبه وقال له: لئن كانت فيك ضَعْفةٌ إن فيك لبقيةً تعقل بها. . . ثم أخذ منه الرسالة ودسَّها في ثوبه. قلنا: ولكن ألا تفضُّها لنعرف ما فيها؟

فضحك وقال: أئن جارَيتكم في باب المطايبَة والنادرة، وجاريتُ هذا الأبلهَ في باب جنونه وحمقه - تحسبون أن الأمر على ذلك، وأن الرسالة فارغةٌ إلا من عنوانها، وأن نابغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>