للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القرن العشرين هو أرسلها إلى نابغة القرن العشرين كما قال سعد باشا: (جورج الخامس يفاوض جورج الخامس). . .؟ لحقٌ واللهِ أن العقل الكبير الذي يأبى الصغائر هو الذي تأتي منه الصغائر أحياناً لتثبت أنه عقل كبير، وهكذا تسخر الحقيقة من كبار العقول (كنابغة القرن العشرين)

فغضب المجنون الآخر وهمَّ أن يتكلم. فقال له (النابغة): أنت كاذبٌ فيما ستقوله

قلنا: ولكنه لم يقل شيئاً بعد، فكما يجوز أن يكون كاذباً يجوز أن يكون صادقاً

قال: وسيخطئ في رأيه الذي يبديه

قلنا: ولم يبد شيئاً من رأيه

قال: ولا يعرف الحقيقة التي سيتكلم عنها

قلنا: ويحك أدخلت في عقل الرجل أم تعلم الغيب؟

قال: لا هذا ولا ذاك ولكنه قياسٌ منطقيٌّ يتَوهَّم اطرادُه. إنه سيقول إني مجنون. . . فأخرج الآخر لسانه. . . قال (النابغة): تباً لك لقد رأيتُ الكلمةَ في لسانك كأنها مكتوبة بحروف المطبعة. ويحك يا مَرْقعان ألا تعرف أن لك دماغاً مخروقاً تسقط منه أفكارك قبل أن تتكلم بها، ولولا أنه مخروقٌ لحفظت المتن! إن كل تخطئةٍ لي منك بصواب

فنظر إليهالآخر نظرةً كان تفسيرها في حواجبه إذ مطَّ حواجبه ورقَّصها. فقال (النابغة): ونظراُته خبيثةٌ، مِلْحةُ الطعم، مزعوقةٌ كماء البحر المرَّ، أُخذ من البحر وأُضيف إلى ملحه الطبيعي ملح. أكادُ أتهوَّعُ من هذه النظرة فأقئ

الآن فهمتُ معنى قولهم: (ملحةٌ في عين الحسود) فان الملح لا يغلبه إلا الملح، كالحديد بالحديدُ يفْلجْ. هاتوا كأساً من معتقة الخمر لينظرْ فيها الخبيث هذه النظرةَ فان الخمر لابد مستحيلةٌ شربة ملح إنجليزي. . . هذا الأبله ثقيل الدم كأن دمه مأخوذ من مستنقع. . . أهذا الذي لا يستطيع أن يقول لشيء في الدنيا: هو لي، إلا الفقر والجنون والخرافة - يكذّب ما في الرسالة التي جاء بها البريد المستعجل ولا يصدق أنها مرسلة إلى نابغة القرن العشرين من صاحب السمو الأمير؟

هذا الذاهب العقل هو كالجبان المنقطع في وحشة القفر في ظلام الليل، إذا توجَّس حركةً ضعيفة انقلبت في وهمه قصةَ جريمةٍ ملؤها الرعب وفيها القتل والذبح. ولهذا يخشى ما في

<<  <  ج:
ص:  >  >>