للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرسالة التي جاءت من صديقي صاحب السمو. هاؤم اقرءوا الرسالة

وفضضنا الغلاف فإذا ورقتان ممهورتان بتوقيع أمير معروف أحدهما صِكً بألف جنيه تُدفع (لنابغة القرن العشرين)، والثانية أمرٌ بالقبض على المجنون الآخر. . . وإرساله إلى المارستان

وذهبتُ أصْلح بينهما فقلت: إن في الحديث الشريف: بينما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ مرّ به رجل، فقال بعض القوم هذا مجنون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا مصاب، إنما المجنونُ المقيم على معصية الله

فقال صاحب المتن: (مما حفظناه): إنما المجنون المقيم على معصية الله

قلت: وليس فيكما مقيم على معصية الله. . . .

قال المجنون: (مما حفظناه) وليس فيكما مقيم على معصية الله

قلت: هذا ليس من الحديث ولكنه من كلامي. قال (النابغة) أنبأتكم أن هذا البله يضلّ في داره كما يضلّ الإعرابي في الصحراء؛ وأن الأسطول الإنجليزي لو استقرّ في ساقية يدور فيها ثور، لكان أقرب إلى التصديق من استقرار العقل في رأس هذا الأبله؟

فاحتدَمَ الآخر وهمّ أن يقول (مما حفظناه) ولكني أسكتّه وقلت (للنابغة): إنك دائماً في ذِروة العالم فلا غَرَو أن ترى المحيطَ الأعظم ساقية. والنوابغ هم في أنفسهم نوابغ، ولكنهم في رأي الناس مرْضىَ بمرض الصمود الخياليّ إلى ذروة العالم. ومن هذا يكون المجانين هم المرضى بمرض النزول الحقيقي إلى حضيض الآدمية. فهناك يعملون فتكون أفكارهم من أعمالهم، ثم تكون عقولهم من أفكارهم، فيكون هذا الجنون في عقولهم. وذلك معنى الحديث: إنما المجنون المقيم على معصية الله

قال (النابغة): لَعَمري إن هذا هو الحق. فنبوغُ العقل مرضٌ من أمراض السموّ فيه؛ فالشاعر العظيم مجنون بالكون الذي يتخيّله في فكره، والعاشق مجنون بكون آخر له عينان مكحولتان؛ والفيلسوفُ مجنون بالكون الذي يدأب في معرفته؛ ونابغة القرن العشرين مجنون. . . لا. لا. قد نسينا ا. ش فهو مجنون وس. ع فهو مجنون

وكلُّ الناس مجنونٌ بليلى ... وليلى لا تُقرُّ لهم بذاكا

ومن حقّ ليلى ألا تقر لهم إذ هي لا تقر إلا لنابغة القرن العشرين وحده. وما أعجبَ سحرَ

<<  <  ج:
ص:  >  >>