قليل جدا من أدباء الشرق وعند عدد غير كثير من أدباء الغرب. ولكنك تخطيء كل الخطأ حين تزعم أن القراء جميعا يطلبون إلى الكتّاب مثل ما تطلب إليهم. ولو قد فعلوا لكان الأدباء شر الناس حالاً وأدناهم إلى العجز والإفلاس. أنت وأمثالك تشقون على الأدباء فيما تطلبون ولكني أنا وأمثالي لا نطلب إليهم كل هذا أو لا نطلبه إليهم في كل وقت، فنحن نحب أن ننتفع إذا قرأنا ولكنا نكتفي من القراءة بما دون ذلك. نريد منها أن تلهينا إذا ركبنا الترام أو القطار وان تعيننا على إنفاق الوقت إذا لم يمكنا نشاطنا من العمل وان تدعو إلينا النوم إذا أبطأ علينا. ولا تغضب أن زعمت لك إننا قد نضيق بالقراءة الخصبة الغنية ونؤثر عليها هذه القراءة السهلة الفارغة التي لا تنفع ولا تضر ولكنها تعين على إنفاق الحياة. وأنت تستطيع أن تنكر على أدبائنا ما شئت ولكنك لن تستطيع فيما اعتقد أن تنكر عليهم انهم يكتبون لنا من الكتب وينشرون لنا من الفصول ويثيرون بيننا من ألوان الخصومة والحوار ما يمكننا من أن نركب الترام والقطار ومن أن نقرأ إذا أجهدنا العمل ومن أن نتعجل النوم إذا طال انتظارنا له. وأنت تظن أن هذا قليل وأؤكد لك أن هذا كثير فليس الأمر ذو الخطر في الحياة هو أن نتعلم ونثقف أنفسنا وإنما الأمر ذو الخطر حقاً هو أن نحتمل الحياة وأدباؤنا يعينوننا على احتمال الحياة حقا بما يكتبون ويذيعون. قال: قد يكون هذا حقا ولكنه مؤلم ثم سكت وأطال السكوت. وسكتت هي فأطالت السكوت. ثم مد يده إلى قدحه فاستنفد ما كان فيه من ماء الورد. وأراد أن يعود إلى صمته ولكنها سألته باسمة: فيم هذا الصمت الطويل! أمستمع أنت لحديث الزهر؟ أم مشفق أنت من الطير والجن أن تنم عليك بما تقول؟ هنالك ابتسم ابتسامة شديدة المرارة وقال في صوت حزين: كلا لست استمع للزهر ولا أخاف الطير والجن وإنما أستمع لنفسي وأخافها. فهل تعلمين أنك قد بغضت إليّ الكتابة والإنتاج الأدبي منذ اليوم. قالت وهي مغرقة في الضحك: أنا! ولماذا؟ قال: من يدري؟ لعلي لا أكتب ولا أنشر إلا لأعين القراء على أن يركبوا الترام والقطار وينفقوا الوقت إذا أضناهم العمل ويتعجلوا النوم إذا أبطأ عليهم النوم. قالت: لم أقل هذا وهبني قلته أليس كذلك يكفيك أن تكون عوناً لقرائك على احتمال الحياة؟ قال: لا. قالت: انك لواسع الطمع عظيم الكبرياء. ثم مدت يدها إلى أناء من آنية الزهر فأخذت منها قرنفلة وضعتها في صدره ووردة أدنتها من فمه. وقالت: لتلتمس عزاءك عند هذه الوردة