للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بمعنى غير مفهوم؛ فغيرُ المعقول وغيرُ المفهوم هو الحب

والجمرةُ الحمراءُ إذا قيل إنها انطفأت وبقيت جمرة فذلك أقرب إلى الصدق من بقاء الحب حياً بمعناه الأول إذا انطفأ أو بَرَدَ

والعاشق مجنون. وجنونه مجنون أيضاً، فهو كالذي يرى الجمرةَ منطفئةً ويرى مع ذلك أنها لا تزال حمراء، ثم يُمْعِنُ في خياله فيراها وردة من الورد. . وإذا سألته أن يصف الجمالَ الذي يهواه كان في ذلك أيضاً مجنونَ الجنون كالذي يرى قمر السماء أنه قد تَفَتَّت وتناثر ووقع في الروضة فكان نِثارُه هو الياسمينَ الأبيض الجميل الذكي. . .

والمجنون يرى الدنيا بجنونه والعاقل يراها بعقله؛ ولكن العاشق المخبول لا ينظر من يهواه إلا ببقية من هذا وبقيةٍ من ذلك فلا يخلُصُ مع حبيبته إلى جنون ولا عقل

(والمجهول) إذا أراد أن يظهر في دماغ بشريّ لم يسمعه إلا أحدُ رأسين: رأسِ المجنون ورأسِ العاشق

ولا صعوبة في الحكم على شيء بأنه خير أو شر إلا حين يكون الخير والشر امرأة معشوقة. أما أوصاف الشعراء والكتاب للجمال والحب فهي كلها تقليد قد توسعوا فيه؛ والأصل أن ثوراً أحب بقرة فكان يقول لها: يا نجمة القطب التي نزلت من السماء لتدور في الساقية كما دارت في الفلك. . .

قال (النابغة): هذا رأيي في حب العاشقين، أما حبي أنا (نابغة القرن العشرين) فيجمعه قولك: فلّ، ورد، زهر. . .

قلنا ما هذه الألغاز، وهل للحب مَنْن كقولهم: حروفُ القَلْقَلة يجمعها قولك (قُطْبُ جَدٍ)، وحروف الزيادة يجمعها قولك (سألتمونيها)؟

فتضاحك (النابغة) وقال: تكاثرت الظباءُ على خَراش، فلكيلا ننسى. . . إن كل حرف هو بدءُ اسم، الفاء فاطمة، واللام ليلى، والواو وردة، والراء رباب، والدال دلال، والزاي زكية، والهاء هند، والراء رباب

قلنا: رباب قد مضت في (ورد). قال: كنا تهاجَرْنا مدةً ثم اصطلحنا بعد هند. .

قلت: هكذا النوابغ فان رجلا أدبياً كانت كنيته (أبا العباس) فلما (نبغ) صيّرها (أبا الِعبر) وفَتَق له نبوغه أن يجعلها تاريخاً يعرف منها عمره. قالوا فكان يزيد فيها كل سنة حرفاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>