ثم قلنا له: فما رأيك في الحب، فانه ليقال: إنك أعشقُ الناس وأغزل الناس؟
قال: إن ذلك ليقال (وهو الأصح). ثم أطرق يفكر. وبدا عليه أنه مندهش ذاهب العقل كأنه من قلبه على مسافة أبعد من المسافة التي بينه وبين عقله. وخّيل إلي أن النساء قد حُشِرن جميعاً في رأسه ومرت كل واحدة تعرض مفاتِنها وغَزلَها وتلائم هَذيَانه بهذيان من جمالها، فهو يرى ويسمع ويَعْرض ويَتخيّرْ. ثم اضطرب كالذي يحاول أن يسمك بشيء أفلت منه؛ فلم ينّبهه إلا قول المجنون الآخر:(مما حفظناه) أن أعرابية سئلت عن العشق فقالت: إنه داء وجنون. . .
قال: اسكت يا ويلك لقد أطفأت الأنوار بكلمتك المجنونة. كان في رأسي مرقص عظيم تسطع الأنوار فيه بين الأحمر والأخضر والأبيض؛ وترقص فيه الجميلات من الطويلة والقصيرة والممشوقة والبادنة، فجئتَ بالداء والجنون قبحك الله فأخرجتني عنهن إليك. أحسبُ أنِك لو انتحرت لصلح العالم أو صلحتُ أنا على الأقل، فإذا أردت أن تشنق نفسك فأنا آتيك بالحبل الذي كنتُ مقيدا فيه أي الحبل الذي عندي في الدار. . على أن رأسك الفارغ مشنوقٌ فيك وأنت لا تدري.
قال الآخر: ما أنت مُنذُ اليوم إلا في شنقي وتعذيبي أو في شنق عقلي على الأصح. (ومما حفظناه) قول الأحنف بن قيس: إني لأجالس الأحمق ساعةً فأتَبينُ ذلك في عقلي. .
فلم يَرُعْبنا إلا قيامُ المجنون مسلَّحاً بحذائه في يده. . . وهو حذاء عتيق غليظ يقتل بضربة واحدة؛ فحلنا بينهما وأثبتناه في مكانه. وقلنا: هذا رجل قد غُلِب على عقله فلا يدري ما يقول؟ فإذا هو دل على أنه مجنون، أفلا تدل أنت على أنك عاقل؟ ما سألناك في انتحاره وجنونه، بل سألناك رأيك في الحب؛ وما نشك أنك قد أطلتَ التفكير ليكون الجواب دقيقاً، فانك (نابغة القرن العشرين)، فانظر أن يكون الجوابُ كذلك
قال: نعم إن العاقل إذا ورد عليه السؤال أطال الفكر في الجواب. فأكتب يا فلان (س. ع):
(جلس نابغة القرن العشرين مجلس الإملاء مُرتجلاً فقال: قصةُ الحب هي قصة آدم، خلق الله المرأة من ضلعه. فأول علامات الحب أن يشعر الرجل بالألم كأن المرأة التي أحبها كسرت له ضلعاً. . وكل قديم في الحب هو قديم بمعنى غير معقول، وكل جديد فيه جديد