للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتفسيره حاضر! فالمكروبات عندما تقع من الهواء في الأحسية السائلة التي نستخدمها، هي أنواع عدة، تتكاثر جنباً لجنب، وتعوم فتختلط فلا ينتج إلا مزيج من أخلاط عدة. أما اذا هي وقعت على سطح البطاطس، وهو صلب، لصقت وحداتها في المكان الذي وقعت فيه، فتكاثرت الواحدة حيث هي فصارت ألوفاً، ولكن من نوع واحد لا يخالف)

وكان يعين كوخ طبيبان في الجيش، يدعى أحدهما لُفْلار والآخر جفكي فدعاهما كوخ في هدوء وأطلعهما على ما وجد، وأراهما مدى التغيير الذي سيطرأ على دراسة المكروب بسبب التفاتته السانحة إلى قطعة البطاطس المتروكة، نقول التغيير، وما كان إلا الثورة! وبدأ الرجال الثلاثة يدرسون صحة ما خال كوخ بجد لا حد له، وبدقة ألمانية إذا وصفها الفرنسي المتعصب سماها سخفاً. بدأ الثلاثة يعملون فكنت تراهم صفاً واحدا على كراسيهم الثلاثة، منكبين على مجاهرهم الثلاثة ينظرون في ضوء ثلاث نوافذ وقد توسطهم كوخ. ثالوث أي ثالوث! يبذلون الجهد الجاهد لا ليثبتوا الذي ظنوه، بل ليكذبوه، فإذا النتيجة تؤمن على الذي قاله كوخ وقالوه، وكانت طريقتهم في ذلك أنهم خلطوا من المكروبات نوعين أو ثلاثة؛ فتكوّن منها مزيج تعجز الأحسية السائلة عن فصل أنواعه مهما طال زرعها فيها وتكثيرها. ثم جاؤا بقطرة من هذا المزيج ونشروها نشرا واسعاً على سطح مستو لبطاطسة مسلوقة مشقوقة؛ فاستقرت المكروبات من هذا السطح على أبعاد غير متقاربة، وتكاثرت المكروبة الواحدة حيث استقرت فخرج منها الملايين ولكن من نوعها، ومن نوعها فحسب

بشق بطاطسة عتيقة استحدث كوخ طرائق جديدة لاقتناص المكروب، وأرسى هذا العلم على قواعد صحيحة يطمئن إليهاأولو الفكر اطمئنانهم إلى سائر العلوم، من بعد أن كان ظناً ورجماً بالغيب؛ ثم أخذ كوخ يتجهز لاقتناص المكروبات التي تسبب عشرات الأمراض التي تفتك بالناس، ولم يكن كوخ لقي بعد من رجال العلم انتقادا يذكر ولا اعتراضاً كبيرا، ذلك لأنه لم يفتح فمه إلا بعد ذلك أن كان يتم تأكده من نتائجه، ثم لأنه كان اذا تحدث بعد ذلك عن اكتشافاته ذكرها في كثير من التواضع فتخاذل خصومه ونام الشر في قلوبهم، وفوق هذا وهذا لأنه كان دائماً يصوّر لنفسه شتى الاعتراضات الممكنة، والانتقادات الجائزة، ويجيب عليها قبل إخراج عمله للناس

وامتلأ كوخ ثقة بنفسه، فاعتزم أن يلقى الأستاذ رودلف فرشو وما أدراك من هو؟ هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>