أشهر بحاث ألمانيا في أصول الأدواء، وأكبر جهابذتها وأعلامها؛ إذا حدثته في موضوعات شتى أراك فيها من العلم ما لا يريك عشرات العلماء، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. كان فرشو عمدة الطب الألماني، درس تجبن الدم وقال آخر كلمة تقال فيه، واخترع ألفاظاً من أروع الألفاظ مثال الهتربوبيا وأجنيسيا والأكرونوسس وكثير غيرها مما يسهر طلاب الطب لياليهم في محاولة تفهمها، ونظر بمكرسكوبه في ستة وعشرين ألف جثة، ووصف فيها حال الأنسجة وقد غيرتها شتى الأمراض، ونشر بلا مبالغة ألوفا من الأبحاث في كل موضع يخطر بالبال، من دراسة أشكال رؤوس الذكور من تلاميذ المدارس الألمانية، وتفحص أصواتهم، إلى قياس الأوعية الدموية، وقد بلغت الغاية في الصغر في أجسام بنات اخضرت وجوههن مرضاً واعتلالا
ذهب كوخ إلى صاحب هذا الصيت الكبير وفي قلبه رعب، فدخل الى حضرته على أطراف قدميه احتراماً وخشية أن يتحرك الهواء فينزعج رب المكان
قال كوخ وهو مطرق:(سيدي الأستاذ! لقد كشفت طريقة لتكثير النوع الواحد من المكروب خالصاً لا شائبة فيه)
فقال الأستاذ:(إذن فقل بالله كيف تصنع، ففي ظني أن هذا لن يكون)
قال كوخ:(بتربيته على طعام جامد. نعم أستطيع أن أولد منه على قطعة من البطاطس مستعمرات لا يسكنها غير نوع واحد منه. . . . فبدل البطاطس أذيب الآن الجلاتين في حساء من لحم البقر، فإذا برد انعقدا جميعاً وصار لمزيجهما سطح جامد، وعندئذ. . . . . .)
لم يتحرك فرشو لهذا الكلام؛ ولما نطق قال في استهزاء الحاقد:(إن منع المكروب من أن تختلط أنواعه عسير جداً، إلا إذا شاء كوخ أن يبني لكل نوع معملا خاصاً. .) واختصاراً لم يجد كوخ عند صاحبنا غير البرود والتثبيط؛ ولا عجب، فالرجل كان قد بلغ من الشيخوخة تلك السن التي عندها يعتقد الرجال أن كل شيء عُرِف، فلم يبق في الدنيا ما يُكتشف؛ وتولى عنه كوخ وفي نفسه شيء من الكآبة، ولكن عزيمته لم تهن، ولم يفعل ما كان غيره فاعله، فلم يجادل فرشو في الذي كان، ولا كتب المقالات، ولا خطب الخطب في النيل منه، ولكنه اتجه بكل ما فيه من حول إلى بحثٍ هو أبدع بحوثه، إلى تقفَّي أثر أخبث