صمويل حباً جماً لرقته وعطفه؛ ولهم من ذكرياته في مؤلفاته حظ عظيم
كان صمويل في المدرسة شديد الكسل ردئ العمل، يؤثر على درسه وكتبه الاجتماع بطغمة من رفاقه الأشرار الذين أتى وياهم من المنكرات والسيئات ما قرأناه بعدُ في قصصه. وقد يئست أمه من صلاح أمره؛ وكانت سيدة جميلة ذكية متسلطة تؤثره وترعاه، ولها عليه سلطان قوي مدى عمرها الطويل إلا في الجانب الذي يتعلق بدراسته. كان تقويمه من طريق الاقتناع عبثاً، فعمدت أمه إلى تقويمه بالضرب والأذى؛ وفي ذات يوم قالت له وهي تضربه: صدقني يا بني أني حين أضربك أتألم بشدة، فأجابها بقوله: هذا ممكن، ولكنك تألمين في غير الموضع الذي أتألم منه. وهذا الجواب الذي صار مثلا يشهد هو وغيره أن صمويل كان حاضر البديهة سريع الجواب
كان من عادة مارك توين أن يقول:(إن السيد الحقيقي للانسان هو المصادفة). وذلك قول صحيح بالنسبة له، فان المصادفات الطارئات والظروف المفاجآت كثيرا ما غيرت مجرى حياته. فقد كان صمويل لا يزال على مقاعد الدرس حين فجعه الموت في أبيه، فاضطرت أمه أن تخرجه من المدرسة وتجعله (صبياً) عند صاحب جريدة (هانيبال كورييه) يعمل له من غير أجر إلا الطعام والمأوى؛ ولكن الجراية كانت وا أسفاه قليلة لا تسد رمقه. ولما أصدر أخوه الأكبر (جريدة هانيبال) في سنة ١٨٥٠ ضمه إليهوعمره يومئذ لا يزيد على خمس عشرة سنة؛ ولكن النجاح لم يكن على قدر الأمل فقل عدد الموظفين واضطر صمويل إلى أن يجمع بين صف الحروف وبين ترتيب المواد، وأن يجوب بعد ذلك شوارع المدينة للتحصيل، فيعود مملوء اليدين بالحبوب لأن أغلب المشتركين كانوا يؤدون قيمة اشتراكاتهم عيناً. كان العمل كثيراً، ولكن صمويل مع ذلك كان يجد الفراغ لكتابة مقالة أو أقصوصة تظهر فيها دلائل قريحته الفكهة المنتظرة؛ وكان ينتهز الفرصة في غياب أخيه لبعض أعماله، فينشر في الجريدة ما يكتب؛ وكان أكثر ما يطرق من الموضوعات التعليق اللاذع على الحوادث المحلية، فيؤنبه على ذلك أخوه؛ ولكن الجمهور كان شديد الاعجاب بها، وأكثر القراء كانوا لا يشترون الجريدة إلا ليقرأوها
وفي ذات يوم رأى في غيبة أخيه أن يلهو مع القراء فنشر أقصوصة عن صحافي أمريكي مدع كان مولعاً بالأسفار، فوقع في بعض رحلاته في أواسط أفريقية أسيراً في قبيلة تأكل