وقبل اليوم إنما نستعمل لغة واحدة، ونلهج في الفصيح لهجة واحدة، فلماذا لا نجرد من النحو القواعد الثابتة التي تحفظ هذه اللغة، وتقوم تلك اللهجة، وندع ذلك الطم والرم لمؤرخي الأدب، وفقهاء اللغة، وطلاب القديم، على أن يطبقوه على الحاضر، ولا يستعملوه في النقد. وإنما يلحقونه بتلك اللغات البائدة التي خلق لها وتأثر بها، فيكون هو وهي في ذمة التاريخ وفي خدمة التاريخ.
لقد صنعت المدارس المدنية شيئا من ذلك، فنجحت بعض النجاح في تجريد (نحو) عام يكاد يسير في وجه واحد، ولذلك لا تجد المتخرجين فيها يتقارعون في النقد بالنحو القديم، ويقصرون المناظرة على هذا الجدل العقيم. ولكن فريقا ضئيل الشأن من بقايا الثقافة القديمة في مصر والعراق، لا يزالون يظنون أنا مجبرون على إخضاع ألسنتنا وأقلامنا لتلك اللهجات البالية، فيقعد بهم تخلف الذهن وضعف الملكة وكلال الذوق، عند هذه البقايا الأثرية ينبشون عنها قبور البلى، ثم ينثرونها كالشوك في طريق الأدباء الموهوبين، ويتبجحون بان هذا اللغو هو اللغة!!
يقرؤون الكتاب القيم للعالم الباحث، أو للأديب المجدد، فيعمون عن خطر البحث في نفسه، ومجهود الباحث في بحثه، ولا يرون إلا حرفا وقع مكان حرف، أو جمعا لم يجدوه في كتب الصرف! لا نريد أن نسمي الأسماء ولا أن نضرب الأمثال، فحسب الشذوذ أن يدل على نفسه، وحسبنا أن نهيب بالعلماء والأدباء أن يشذبوا هذه الزوائد من لغتنا لتقوى، ويُنَحُّوا هذه الطفيليات عن أدبنا لينتعش.