مثلا الباب الأخير من أبواب الكتاب الخاص بالحضارة الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين والأمويين، وهو باب كان يمكن المؤلف أن يجول فيه ويصول، ومع ذلك فهو لا يخرج عن كونه مجرد تلخيص لكتاب (الحلافة) لارنولد، وكتب الحضارة الإسلامية والأدب العربي لفون كريمر والسيد أمير علي ونيكلسن. أن الأمر هنا أمر تكرار لا ابتكار
وقد يخطئ المؤلف بعض من يأخذ عنهم تخطئه لا حق له فيها. من ذلك أنه عند كلامه على الخوارج استشهد بقول صاحب كتاب (الفخري): (وصدرت منهم أمور متناقصة تدل على أنهم يخبطون خبط عشواء، منها أن رطبة سقطت من نخلة فتناولها رجل ووضعها في فيه، فقالوا له أكلتها غصبا وأخذتها بلا ثمن، فألقاها، ومنها أن خنزيراً لبعض أهل القرى مر بهم فضربه أحدهم بسيفه فعقره فقالوا هذا فساد في الأرض، فمضى الرجل إلى صاحب الخنزير وأرضاه، ومنها أنهم كانوا يقتلون النفس التي حرمت إلاّ بالحق، قتلوا عبد الله بن خباب، وكان خباب من كبار الصحابة، وقتلوا عدة نساء وسبوا، وفعلوا أفاعيل من هذا القبيل) هذه العبارة التي يصح أن تعتبر مثلاً للتناقض يعلق عليها المؤلف بقوله: (نرى أن هذا ليس من التناقض في شيء، وإنما هو أقرب إلى أن يكون غلوا في تطبيق مذهبهم)!!
ومن ذلك نقدم الهادم لحاجي خليفة، لا لشيء سوى أنه أورد خبراً لم يرضي المؤلف فيقول:(ومثل هذا المؤرخ لا يؤخذ بكلامه ولا يعول عليه في المسائل التاريخية الهامة لأنه كان متأخراً في الزمن فقد توفي سنة ١٠٦٧هـ) وهو تعسف في الحكم من غير منازع، ومن هذا القبيل أيضاً تصديه لمرجوليوث في أمر الرجلين اللذين تزعم الرواية العربية أن كسرى أمر عامله على اليمن أن ينفذهما إلى الرسول ليأتياه به، فلما قدم الرجلان على الرسول أخبرهما النبي بأن كسرى قتل وأن أبنه هو الذي قتله. فمرجوليوث يأخذ من هذه الرواية أن النبي كان له من يأتيه بالأخبار. أما المؤلف فبدلاً من أن ينقد الرواية العربية، ليرى هل من المعقول أن ينفذ كسرى من طريق عامله على اليمن رجلين اثنين إلى سيد الحجاز ليأتياه به، فانه يأخذ في الرد على مرجوليوت لأنه لم ينظر إلى المسألة نظر المسلم المؤمن بنبوة محمد (ص)، ولو عمد إلى نقد الرواية أو تأولها على أقل تقدير لأنهارت دعوى مرجوليوت من تلقاء نفسها