هو يحمل الأنياب والأظافر وقد أنسى استعمالها، وبقيت حركته الحيوانية ولكن تعطلت بواعثها فبطل معناها.
ومن كل ذلك اختفى الذئب الذي هو في الذئب، وبقى الحيوان حيا ككل الأحياء، فناسب الشاة وفزع إليها إذ لم تعد العلاقة بينهما علاقة جس الآكل بجسم الأكيلة، بل علاقة الروح الحي بروح حي مثله. قال (النابغة): أما أنا فقد فهمت ولكن هذا المجنون لم يفهم. أكتب يا س. ع: جلس نابغة القرن العشرين مجلسه للفلسفة على غير إعداد ولا تمكن، وبدون كتب البتة. . . وكان هذا أجمع لرأيه وأذهن له وأدعى لأن يتوفر على الإملاء بكل مواهبه العقلية؛ ولما أن فكر النابغة وأعطى النظر حقه وجمع في عقله الفذ جزالة الرأي إلى قوة التفنن والابتكار، قال مرتجلا: إن فلسفة الذئب والشاة حين لم يأكلها ولم تنطحه، هي بالنص وبالحرف كما قال أستاذ نابغة القرن العشرين. . .
(حاشية) وإن مجنون المتن لم يفهم هذه الفلسفة.
فامتعض الآخر وقال:(مماحفظناه):
وبات يقدح طول الليل فكرته ... وسر الماء بعد الجهد بالماء
فقال (النابغة): ويلك يا أبله! أما والله لو كنت نفطويه أو سيبويه لما كنت عندي إلا جحشوية أو بغلويه. . .
لقد كنت أرى الكلام في تلك الفلسفة طريقا نزها جميلا حفته الأشجار والأزهار عن جانبيه، واندفعت في سوائه (تمبيلات) الأفكار خاطفة كالبرق. فلما تكلمت أنت انتهينا من سخافتك إلى طريق حجري تقعقع فيه عربات النقل تجرها البغال البطيئة.
فقال الآخر وهو يتعذر إليه: ما أردت والله مساءتك ولو أردتها لقلت وفسر الماء بعد الجهد بالسبرتو. . . فهذا هوالخطأ، أما تفسير الماء بعد الجهد بالماء فهو صحيح.
قال النابغة: ولكنه تفسير مفرط السقوط كتفسير المجانين، فهو يقول إني مجنون.
قلت: كلا، إن تفسير المجانين يكون على غير هذا الوجه كالذي حكاه الجاحظ قال: سمعت رجلا يقول لآخر: ضربنا الساعة زنديقا. قال الآخر: وأي شيء الزنديقا؟ قال الذي يقطع المزيقا. قال: وكيف علمت أنه يقطع المزيقا؟ قال رأيته يأكل التين بالخل. . . .