قلت: وأي عجيبفي هذا؟ إن الذئب والشاة، والأسد والغزال، والثعبان والعصفور، وكل آكل ومأكول من الأحياء، لو هي دخلت في دائرة الصلاة الحقيقية لانتظمت كلها صفا واحدا يركع ويسجد. فهذه الجارية نشرت روح الصلاة والتقوى علىكل ما حولها من قلبها الطاهر المطمئن بالإيمان، فوقع الذئب منها في دائرة مغناطيسية، فسلب وحشيته ورجع مسخرا لفكرة الصلاح والخير إذ تجانست فيه الحياة بما حولها، وانسجم النوع والنوع في حركة متجاوبة انسجام الرجل المغناطيسيهو ومن ينومه في إرادةواحدة وفكرة واحدة.
قال (النابغة): فإذا دخل الذئب مسجدا يرتج بالمصلين، أتراه يصف أربعته ويقف بينهم للصلاة، أم يصلي صلاته الذئبية في لحومهم؟
قلت: وأين هم الذين يصلون بحقيقة الصلاة فيخرجون بها من النفس إلى الكون، ومن الزمن إلى الأبد، ومن الأسباب إلى مسببها، ومما في القلب إلى ما فوق القلب؟ إن هؤلاء جميعا يصلون بجوارحهم وبينهم وبين أرواحهم طول الدنيا وعرضها؛ وما منهم إلا من يتصل فكره بما يغلب عليه كما يتصل فكر اللص بيده، وفكر العاشق بعينه، وفكر الطفيلي بمعدته. . .
فاسمعها عندهم الصلاة وحقيقتها عند الله كما ترى.
قال (النابغة) ولكنه ذئب من طبيعته أن يأكل الشاة لا أن يرعاها، فلا أفهم شيئا.
وقال الآخر:(مما حفظناه) رتع الذئب في الغنم، ولم يقولوا صلى الذئب في الغنم، فلا أفهم شيئا.
قلت: سأزيد كما عدم فهم. . . إن قلب تلك المرأة العظيمة الطاهرة متصل بالله، وليس فيه شيء من طباعها الإنسانية ولا ظل من ظلال الدنيا؛ وقد تجلى فيه سر الحياة، وهو السر الذي لا يطعم ولا يشرب ولا يلبس ولا يشتهى ولا يطمع في شيء ولا يحرز شيئا، وإنما طبيعته أشواقه الكونية واتصاله بنفحات القوة الأزلية المسخرة للوجود كله. فانتشرت هذه الموجة الكهربائية الأثيرية حول الجارية من قلبها، وجاء الذئب فلتج فيها وغمرته الروحانية الغالبة فإذا هو يفتح عينه على كون غريب قد تجلى السلام عليه، فليس فيه إلا قوة آمرة أمرها بائتلاف كل شيء مع كل شيء، واجتماع المتنافرين في حالة معرفة لا في حالة إنكار. فصار الذئب مستيقظا، ولكن في روح النوم، وشلت فيه الذئبية الطبيعية فإذا