للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: وددت والله أن يكون س. ع. هذا نابغة، ولكني سأجعله نابغة، فقد صار له علي حق الصديق وهو حق لا أضيعه ولا أخل به. فإذا احتجت يا س. ع إلى خطاب رنان تلقيه في حفل عظيم، أو قصيدة تمدح بها وزير المعارف، فالجأ إلي فإني ملجأ لك. ومتى انتحلت شعري كنتعند الناس المتنبي أو البحتري أو ابن الرومي، فان هؤلاء القدامى لم ينفعهم إلا أنني لم أكن فيهم، ولما لم أكن فيهم أعجبوا الناس إذ أنني لم أكن فيهم.

قلنا فما حكمك عليهم في الأدب؟

قال: إذا حكمت عليهم فقد جعلت نفسي بينهم، فمن الطبيعي إلا يعجبني منهم أحد. إن (نابغة القرن العشرين) لا يقول لمعنى هذا أحسن فانه هو فوق الأحسن، ولا يقول عننابغة هذا أشهر فانه هو فوق الأشهر.

قلت: كأن الدنيا تحت قدميك وأنت فيها الزاهد العظيم الذي لا يقول في حسن هذا أحسن لأنه فوق الشهوة، ولا في نعيم هذا أطيب لأنه فوق الطمع، ولا في مال هذا أكثر لأنه فوق الحرص. وأحسبك لو كنت ترعى غنما لكنت الحقيق في عصرنا بقول تلك الراعية الزاهدة: أصلحت شأني بيني وبين فأصلح بين الذئب والغنم.

قال: وكيف ذلك؟

قلت: حكي عنبعض الصالحين أنه فكر ذات ليلة فقال في نفسه: يا رب. من زوجتي في الجنة؟ فأرى في منامه ثلاث ليال أنها جارية سواء في أرض كذا. فجاء تلك الأرض فسأل عن الجارية، فقال له رجل ما هذا؟ تسأل عن جارية سوداء مجنونة كانت لي فأعتقتها؟ قال وماذا رأيتم من جنونها؟ قال: كانت تصوم النهار فإذا أعطيناها فطورها تصدقت به، وكانت لا تهدأ الليل ولا تنام فضجرنا منها.

قال: فأين هي؟ قال ترعى غنما للقوم في الصحراء.

فذهب إلى الصحراء فإذا هي قائمة في صلاتها، ونظر إلى الغنم فإذا ذئب يدلها على المرعى وذئب يسوقها. فلما فرغت من صلاتها سلم عليهافأنبأته أنه زوجها في الجنة وأنبأها أنه بشر بها؛ ثم سألها ما هذه الذئاب مع الأغنام؟ قالت: نعم أصلحت شأني بيني وبينه فأصلح بين الذئب والغنم.

قال (النابغة): هذا كذب لأنه عجيب، وهو عجيب لأنه كذب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>