وأما الثالثة فهي رواية عن رجل قد ورث نصف دار، ففكر طويلا كيف تخلص الدار كلها له ثم اهتدى إلى الوسيلة؛ فذهب إلى رجل وقال له: أريد أن أبيعك حصتي من الدار وأشترى بثمنها النصف الباقي لتصير الدار كلها له. . .
قال (النابغة) لعمري إن هذا لهو الجنون، وما يذكر مع هؤلاء مجنون المتن ولا غيره. . .
فقال الآخر: تالله لولا أن (نابغة القرن العشرين) يدفع نفسه عن الجنون لجاء في الجنون بما يذهل العقول. . .
ثم نظر فإذا النابغة يتحفز له. . .؛ فأسرع يقول: (مما حفظناه) كنحذرا كأنك غر، وكن ذاكراً كأنك ناس. فهذا هو نسيان نابغة القرن العشرين، نسيان حكماء لا نسيان مجانين.
قال (النابغة) ولكن قد فسد قول الشاعر، ما لذة العيش إلا للمجانين؛ فما بقيت مع الجنون لذة.
قلت: إن الشاعر لا يريد المجانين الذين هم مجانين بالمرض وإنما يريد العشاق المجانين بالجمال؛ وجنون العاشق في هذا الباب كعيوب العظماء من أهل الفن، وهي عيوب تدافع عن نفسها بحسنات العظمة فليست كغيرها من العيوب.
قال: فيجب أن أصنع بيتاً آخر يفسرذلك الشعر ليستقيم لي التمثل به. ثم فكر وهمهم، ثم كتب في ورقة ثم طواها وقال: اصنع أنت أول، وسأئتمن س. ع. على شعري ودفع إليه الورقة.
فنظرت وقلت: يجب أن يكون الشعر هكذا:
قالوا جُنِنت بمن تهوى فقلتُ لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين
العقلُ إن حَكَم العُشّاقأثقلُ من ... فقرٍ تحكَّم في رزقِ المجانين
ونشر س. ع. الورقة فإذا فيها:
قالوا جُنِنت بمن تهوى فقلتُ لهم ... ما لذة العيش إلا للمجانين
إن العيوب عن المجنون دافعةٌ ... بأنه نابغ في القرن العشرين. . .
وضحكنا جميعا؛ فقال النابغة: أبعدك الله يا س. ع. إن من ائتمن المجنون على سر وقال له أكتمه فكأنما قال له انشره.