للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جلدهما وأسود.

واصبح صباح يوم، فقام كوخ إلى شرائحه الزجاجية فأخرجها من محلول الصبغات التي كانت بها، ووضعها واحدة بعد أخرى تحت مجهره،، واخذ يبؤئره عليها، فاخذ مجال بصره يتضح رويداً رويداً حتى خرج له من العلماء الأغبر صورة جلية بينة، وإذا عينه ترى بين خلايا الرئة التي تقوضت من الداء مجموعات غريبة من بشلات صغيرة كالعصي زرقاء، رقت في بصره فلن يستطع تقدير سمكها، أما طولها فأقل من جزء من خمسة عشر آلف جزء من البوصة الواحدة قال كوخ: (ما أجملها بشلات! إن بها انحناء قليلا والتواء، فهي ليست في استقامة مكروب الجمرة، وهناكأسرابا منها اجتمعت واكتنزت كأنها حزم السجائر، وهاك بسلةً عفريتة دخلت وحدها خلية من خلايا الرئة المتآكلة. . . أحقاً هذا مكروب السل وقعت عليه هكذا سريعاً؟) وواصل كوخ عمله بدقته المعهودة، فظل يصبغ الدرن يستخرجه من كل ناحية من نواحي جثة العامل، وحيثما صبغ أرته صبغته الزرقاء تلك البشلات الدقيقة الحنواء؛ تلك الخلاق الغريبة الجديدة وقد اختلفت عن كل ما كان رآه في أجسام ألوف الحيوان والإنسان سليمة وسقيمة.

ولم يلبث فيما هو فيه طويلا حتى بدأت الفاجعة المحزنة تقع في الخنازير الغينية والأرانب. أخذت هذه الخنازير يتزاحم بعضها لصق بعض في أركان القفص في كآبة بينة، وانتفش فروها، وأجسامها الصغيرة التي دأبت بالأمس على الوثب واللعب، آخذت تنهزل ويذوب عنها ما كساها من اللحم والشحم فصارت كأنها العظم حوته صرة من جلدها. ولزمتها الحمى فهمدت وتخاذلت عن طعامها من الجزر الطيب قد زها لونه، والحشيش الطازج قد فاح شذاه. ثم آخذت تموت واحدا فواحده، وكلما مات واحد منها إرواء لغلة عالنا من البحث، وافتداء لسلامة للاتسان، قام صاحبنا إليه فدبسه على لوحة تشريحه، وبلل جلده بمحلول السليماني ثم اخذ مشارطه فطهرها ثم شق جثة الخنزير وشرحها في دقة زائدة وعناية بالغة سكتت لها أنفاسه مخافة الزلل.

وفي بطون هذه الضحايا، التي جهلت بما ضحت، وجد كوخ نفس ذلك الدرن الأصفر الأرمد المرعب الذي امتلأت به جثة العامل. فقام يبسطه على لوائح زجاجه الذي لايفني، ثم يغمره في صبغته الزرقاء، وفي كل حالة وبكل جسم كشفت له الصبغة عن نفس تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>