أما تاريخ المترجم له ومنشؤه ونسبه ومولده ووفاته وكيف تصرفت به الأحوال فهذا ما ليسوا منه بسبيل ولا هو من عملهم وإنما هو من عمل المؤرخ. أما هم فأدباء يحلون أدباء معاصرين أو قريبين من عصورهم. . . وأسلوب الفتح في كتبه أسلوب لاشك جزل متين وإن كان كله مسجعاً؛ ومن ثم قد يعلو وقد يسفل، وقد يرى مطبوعاً وقد يرى عليه أثر التكلف والتعمل. وقد كان بلغاء الكتاب في تلك الأعصر يظنون السجع عملا فنياً في الذروة من الفن تلي مرتبته مرتبة الشعر للموسيقية التي فيه وإن كان النقدة من المتقدمين ينكرون الولوع به والإفراط فيه كما ننكره نحن اليوم. وقد اشترطوا به شروطاً أهمها: أن يكون اللفظ فيه تابعاً للمعنى، ولم يشترطوا ذلك في السجع فحسب؛ وإنما اشترطوه في كل المحسنات البديعية، قالوا: إن هذه المحسنات ولاسيما اللفظية منها لا تحل محلها من القبول، ولا تقع موقعها من الحسن، حتى يكون المعنى هو الذي استدعاها وساقها نحوه، وحتى تجدها لا تبتغي بها بدلاً ولا تجد عنها حولاً؛ ومن هنا ذم الاستكثار منها والولوع بها، لأن المعاني لا تدين في كل موضع لها، إذ هي في الغالب ألفاظ، والألفاظ خدم المعاني مصرفة في حكمها، فمن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جهته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظبة من الاستكراه، وفيه فتح أبواب العيب والتعرض للشين. ولهذه الحالة كان كلام المتقدمين الذين تركوا فضل العناية بالسجع ولزموا سجية الطبع أمكن في العقول، وأبعد من القلق، وأوضح للمراد، وأسلم من التفاوت، وأبعد من التصنع الذي هو ضرب من الخدع بالتزويق. والرضا بأن تقع النقيصة في نفس الصورة وذات الخلقة إذا أكثر فيها من الوشم والنقش؛ وأثقل صاحبها بالحلي والوشم، قياس الحلي على السيف الددان والتوسع في الدعوى بغير برهان، كما قال المتنبي:
إذا لم تشاهد غير حُسن شياتها ... وأعضائها فالحسن عنك مغيب
هكذا يقول إمام النقاد عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة ٤٧١هـ - سنة ١٠٧٨ ميلادية - ويقول: وقد تجد في كلام المتأخرين كلاماً حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ماله اسم في البديع - ومنه السجع - إلى أن ينسى أنه يتكلم ليفهم، ويقول ليُبِين؛ ويخيل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء، وأن يوقع السامع من طلبه في خبط عشواء، وربما طمس بكثرة ما يتكلفه على المعنى وأفسده كمن ثقل على