للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومدح لسيف الدولة؛ ولعل المتنبي بذلك المدح يريد أن يعوض على سيف الدولة فقده؛ واستمع إليه يعتذر ويقول:

وما عقني غير خوف الوشا ... ة، وإن الوشايات طرق الكذب

وتكثير قوم وتقليلهم ... وتقريبهم بيننا والخبب

وقد كان ينصرهم سمعه ... وينصرني قلبه والحسب

وما قلت للبدر أنت اللجي ... ن وما قلت للشمس أنت الذهب

فيقلق منه البعيد الأباة ... ويغضب منه البطئ الغضب

ويمدحه ويقول:

وما لاقني بلد بعدكم ... ولا اعتضت من رب نعماي رب

وما قست كل ملوك البلاد ... فدع ذكر بعض، بمن في حلب

أفي الرأي يشبه أم في السخا ... ء أم في الشجاعة أم في الأدب

ثم يمضي مادحاً معيداً على أذنه تلك النغمة القديمة - كما قلنا - نغمة مدحه بقتال الروم.

تلك علاقة المتنبي بسيف الدولة وهي علاقة لا تتعدى المراسلة، وقد يقال: أما كان من الخير للمتنبي أن يذهب إلى سيف الدولة بعد أن دعاه؟ ولكن إذا علمنا ما كان يخشاه المتنبي من الوشاة وأن المأساة ربما تتكرر خففنا من لومه والاعتراض عليه.

لم يلق المتنبي إذاً سيف الدولة بعد أن فارقه حتى قتل؛ أما شعور الأمير ساعة علم بمقتل شاعره القديم فان كتب الأدب إذا كانت لم تحدثنا عنه فمن السهل علينا فهمه، إذ ليس من اليسير على سيف الدولة تقبل مثل هذا الخبر من غير أن يحزن له وأن يتألم من أجله في صميم فؤاده.

أحمد أحمد بدوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>