للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتزلزل الأرض تحت عربة أخيل مما سمع من مهاترة ابن بريام ويقذفه بشواظ من الكلم المحنق والقول المضطرم، ثم يقذفه بصعدته الظامئة التي تمرق إلى هكتور كالبرق الخاطف، لو أصابت منه عضواً لذهبت به إلى الجحيم. . .

ولكن هكتور العظيم ينفتل انفتالةً عجلى، فيهوي رمح أخيل إلى أرض الساحة، ويغوص ثمة إلى ثلثيه. . . إلا قليلاً

وكانت فرصة طيبة لهكتور ينفرد فيها بخصمه الأعزل، لو لم تكن مينرفا حاضرة، وعلى أهبة تامة لمعاونة أخيل. . . . فلقد سارعت إلى الرمح فانتزعته من الأرض وسلمته لصاحبه دون أن يلمحها هكتور. . .

وقبل أن يتهيأ لها أن تضع ذلك، قال ابن بريام: (أخيل! ها قد طاشت ضربت، وآن لطروادة التليدة أن تستريح منك يا ألد أعدائها!! لقد كنت تحدث نفسك برأس هكتور؛ غريمك وخصمك، فلتبحث الآن عن رأسك يا ابن بليوس. . . .

ولم يكد البطل المسكين يتم قولته، ويضيع بها فرصته حتى كانت مينرفا قد أعادت الرمح إلى أخيل. . . وحتى تبسم أخيل ابتسامة لاذعة ساخرة بما قال هكتور، الذي داعب هو الآخر رمحه، ثم أرسله كأنه الحتف فارتد على درع فلكان، ومنه إلى الأرض، فغاص فيها؛ وقبل أن يلحق به هكتور حال أخيل بينهما، وأصبح الموت أقرب إليه من حبل الوريد؛ وتلفت ابن بريام يبحث عن أخيه ديفوبوس فلم يعثر له على أثر، فصاح من الوجل يقول: (يا ديفوبوس! أغثني يا ديفوبوس! أدركني يا ديفوبوس! هات لي رمحاً يا ديفوبوس. . . . . .)

بيد أن ديفوبوس لم يغثه ولم يدركه ولم يحضر له رمحاً، وبدت له مينرفا وهي تبتسم له ابتسامة خبيثة زلزلت أركان هكتور، الذي فطن إلى الحيلة التي دخلت عليه، فقال يخاطب الربة الساخرة، وهو يكاد ينشق من الغيظ: (يا للسماء! أهكذا تخاتل الآلهة، فتقضي بموتي في معركة لا أحمل فيها سلاحاً. . . ولكنني سأقاومك يا ابن بليوس، فإذا سقطت فلن يكون لك في ذلك فضل ولا محْمدة، واذهب من بعدها فصلّ للخاتلة التي نصرتك وآزرتك. . .)

وامتشق المسكين سيفه، ولكن ماذا يصنع الجراز البتار في ملحمة لا يقطر الموت فيها إلا على أسنة الرماح!. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>