واستخْفت منيرفا، وبدت لهكتور في هيئة أخيه الأصغر ديفوبوس، ثم راحت تحضه على الحرب، وتحرضه على أخيل، وتهوّن له من شأن زعيم الميرميدون، وتعده أنها ستقدم له كل عون حتى يظفر به وتنصره السماء عليه نصراً عزيزاً. . .
ولم يشك هكتور في أن الذي يخاطبه هو شقيقه وحبيبه ديفوبوس، فوقف قليلاً يفرج عن قلبه بعض ما كرثه من روع، وراح يمزج شكرانه لأخيه بدموع الفزع، وذلة العبارات المنقطعة الحزينة، وخفقان القلب المضطرب ذي الوجيب!
وانثنى هكتور للقاء أخيل. . .
فما كاد ابن بليوس يشهده مقبلاً، بعد إذ كان مدبراً، حتى طرب قلبه، وشاعت بشاشة اللقاء في زنده القوي وسواعده المفتولة، ثم انقلبت هذه البشاشة إلى جهنم من الغيظ تستعر بالتشوّف إلى الانتقام في فؤاده، وتضطرم بلظى البطش في سويدائه؛ وتطل من عينيه تود لو تنقدح في أضلع هكتور. . .!
وقال هكتور: (تخدع نفسك يا أخيل إذا ظننت أني كنت ألوذ بأذيال الهرب منك، حين أجريتك هذه الأشواط الثلاثة حول إليوم. . .؟! لا. . . فإنني ما حاولت إلا إجهادك، وأن ينال الإعياء منك. . . والآن، هأنذا قد انقلبت للقائك فأما أن أقتلك، وأما أن تروي رمحك الضامئ من دمي. من يدري؟ أليست الأقدار مطوية عنا في صحائف الغيب، لا يعلمها إلا سيد الأولمب وكبير الآلهة: زيوس جل شأنه!
بيد أنني أطمئنك من الآن يا أخيل، إن أظفرتني السماء بك، فلن أفضحك في هذه العدة السابغة من فوقك، ولن أنزع عنك تلك الدروع الضافية التي لن تنفعك من المقادير من شئ. . . ثم أعدك أيضاً إلا أفضحك بعد موتك في هذا الجسم العزيز الذي سيكون بعد قليل جثة لا نأمة فيها ولا حياة. . . لن أرسل بك إلى عراء طروادة فأنبذك فتأكل الطير منك، زتنوشك سباع البرية الموحشة التي تعج بالضواري والكلاب. . . لا. . . لن أفعل من ذلك قليلاً ولا كثيراً. . . بل سأترك لجنودك البواسل أن يحملوك إلى سفائنك عزيزاً في قتلتك، كما كنت عزيزاً في معاشك
والآن يا ابن بليوس! هل تعدني الوعد الذي وعدتك، وهل تعاملني بمثل ما أنا معتزم أن أعاملك، إن أظفرتك السماء عليّ. . . . . . . .؟