للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التي تتخذ سبلها في الخفاء إلى أذهان الهائمين والمنافقين؛ وقد تمخضت هذه الحركة السرية الملحدة في عصر الحاكم ذاته عن نتائج مدهشة، ففي أواخر عصر الحاكم ظهر دعاة يدعون إلى ألوهية الحاكم بأمر الله؛ وزعم حمزة بن علي رأس أولئك الدعاة وأشدهم جرأة أن الحاكم ليس بشرا، وإنما هو (المولى سبحانه هو هو في كل عصر وزمان) ونعته بأنه (قائم الزمان)، وأنه هو أي حمزة نبيه ورسوله، وذهب الدعاة في جرأتهم إلى حد التبشير بهذا الهراء في جامع القاهرة (الأزهر) علناً، وكادت تضطرم من جراء ذلك فتنة خطيرة لولا أن بادر الحاكم بصرف الدعاة وإبعادهم إلى الشام، وهنالك أسفرت دعوتهم عن تأسيس مذهب الدروز الذي ما زال قائماً إلى اليوم، وقوامه القول بالتناسخ وحلول الأرواح، وأن الحاكم بأمر الله هو الإله، وهو قائم الزمان، تجسمت فيه روح آدم، بعد أن تجسمت من قبل في علي بن أبي طالب

وقد وضع أولئك الدعاة كتباً ورسائل سرية مدهشة انتهى إلينا بعضها؛ ولم يك ثمة ريب في أن الحاكم بأمر الله كان يرعى هذه الدعوة ويغذيها من وراء ستار، وأنه تأثر بها في أواخر عهده، وأذكت هيامه، واضطرام عقله وروحه، وكان لها أكبر أثر في تطور الدعوات السرية الإسماعيلية

- ٥ -

وكان اختفاء الحاكم كحياته لغزا مدهشا، بل كان ذروة الخفاء والروع؛ وما زالت قصة هذا الاختفاء وظروفه وحقيقة عوامله مثار الريب والجدل. ركب الحاكم ذات مساء في بعض جولاته الليلية التي كان يشغف بها ولا يصبر عنها، وقصد ناحية في جبل المقطم اعتاد أن يرتادها لرصد النجوم، بعد أن صرف الحشم المرافقين له؛ ثم لم ير بعد ذلك قط لا حياً ولا ميتا، ولم يوجد له بعد ذلك أثر قط؛ ولم توجد جثته قط. ولم تقدم إلينا الروايات المعاصرة أو المتأخرة أية رواية حاسمة عن مصرعه أو اختفائه، ولكنا لا نتردد رغم خفاء الحادث وغموض ظروفه في الاعتقاد بأن الحاكم ذهب ضحية مؤامرة، وأن مقتله لم يك سوى جريمة سياسية ارتكبت لتحقيق شهوات الملك والسياسة؛ وهذا ما تقرره بعض الروايات المعاصرة على اختلافها في الشرح والتفصيل؛ وفي ظروف الحاكم، وفي عنفه واضطرام أهوائه، وغريب تصرفاته، وفي قسوته وصرامته نفسه ما يفسر مثل هذا الرأي، وما يسبغ

<<  <  ج:
ص:  >  >>