عليه مسحة من الرجحان. ومعظم الروايات المعاصرة على أن الذي دبر المؤامرة هي الأميرة ست الملك أخت الحاكم؛ وكانت تأخذ عليه عنفه وإغراقه، وتحذره من عواقب أهوائه؛ وكان الحاكم يشدد عليها الحجر والرقابة وينعى عليها سوء مسلكها وفضائحها الغرامية؛ وكانت تخشى بطشه وفتكه، وترقب الفرص لتدبير اغتياله؛ وكان حليفها وعونها في تدبير المؤامرة وتنفيذها، سيف الدولة بن دواس زعيم قبيلة كتامة القوية التي فقدت في ظل الحاكم ما كانت تتمتع به من النفوذ والجاه. وفي ليلة الاثنين ٢٧ شوال سنة ٤١١هـ (١٠٢٠م) ركب الحاكم إلى المقطم، بعد أن طاف حيناً في أنحاء القاهرة، وسار إلى الجبل ومعه ركابيان فقط؛ وكان أبن دواس قد اتخذ أهبته ورتب للفتك بالأمير عبدين من أخلص عبيده؛ وتوغل الحاكم في الجبل إلى حيث اعتاد أن يرصد النجوم ومعه ركابي فقط؛ أما الركابي الآخر فصرفه مع بعض ذوي حاجة اعترضوه في طريقه، وهنالك في جوف الجبل تمت الجريمة وقتل الحاكم ووصيفه، وقطعت قوائم حماره الأشهب؛ وحملت جثة الحاكم في جوف الظلام إلى أخته ست الملك فدفنته في نفس مجلسها؛ واتخذت كل ما يجب لكتمان الجريمة، وأذاعت أن أخاه سيغيب أياماً؛ وخرج الناس إلى الجبل فلم يعثروا بأثر للحاكم أو حماره أو ركابيه؛ ورتبت ست الملك في نفس الوقت اغتيال أبن دواس وكل من اشترك في الجريمة أو وقف على السر، وذهب السر مع الجناة إلى القبر
وقضى رجال الدولة ثلاثة أيام متوالية يبحثون عن الحاكم دون جدوى، وفي اليوم الرابع توغلوا في الجبل فعثروا بحماره الأشهب وقد قطعت قوائمه، وتابعوا بحثهم حتى وصلوا إلى البركة الواقعة شرقي حلوان، فنزلها البعض، وعثروا فيها بثياب الحاكم مزررة لم تحل أزرارها وفيها أثر الطعان. فعندئذ أيقن الناس بقتله
كان مصرع الحاكم فيما يرجح إذاً جريمة سياسية دبرت ونفذت بأحكام؛ ولكن ذلك التعليل لم يكن حاسما في عصر ذاعت فيه الدعوات والأساطير السرية، ونودي فيه بألوهية ذلك الذي اختفى على هذا النحو الغامض. ومن ثم فقد زعم بعض الغلاة والمغامرين من الدعاة أن الحاكم لم يمت ولكنه اختفى وسيظهر آخر الزمان، أو أنه رفع إلى السماء كما رفع المسيح بل لقد وجدت هذه الأساطير المغرقة سبيلها إلى بعض دوائر البحث الحديث، فنرى المستشرق فون ميللر مثلا يعلق على اختفاء الحاكم بما يأتي: (أما أن أخته قد دبرت قتله